طراد سعود القاضي.. ود. محمد المسفر وأنا.. وصراحة الصحراء

{title}
أخبار دقيقة -

كتب -عدنان نصار

لم أجد أصدق من الصحراء، ولا أكثر دفئا من رمالها الشقراء الجامعة للغنج والصلابة معا، ولا أعمق إحساسا منها.. فهي تتسم برحابة الصدر، كما تعرجات تضاريسها المكشوفة، لا شيء مخبوء بالصحراء، فكل شيء قابل لمحاكاة الشمس، كما هو قابل للحياة.

تأخذنا السيارة: الراحل الوزير والنائب الأسبق د. طراد سعود القاضي، والمفكر د. محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر وأنا، الى مضارب الصحراء، في بلدة حوشا شمال العاصمة الأردنية عمان، وصحراءها المتكئة على كتف اربد الشرقي.. فالدعوة من البدوي المخضرم د. القاضي لم تكن دعوة "رخوة” عابرة بعد إنتهاء ندوة سياسية عقدت في النقابات المهنية في اربد، بل دعوة أصر صاحبنا الطبيب البدوي على الإمتثال لها .

لم يكن د.طراد القاضي في يوم منفصل عن واقعه الإجتماعي أو السياسي، فهو طبيب الفقراء، والمساكين، وميسور الحال القريب الى الى البرجوازية المنحاز الى البرولتاريا في أدق تفاصيلها .. فيما أتسم ضيفه د. المسفر بمواصفات إنسانية عالية المذاق ورفيعة المستوى، ناهيك عن كونه من القابضين على الثوابت القومية العربية في زمن الردة، وهو المفكر الذي لا يفرق بالمطلق بين عمان والدوحة، أو دمشق والقاهرة.. اخذتنا السيارة الى هناك فيما كان صوت كوكب الشرق يصدح بصوت هاديء: "وما أستعصى على قوم منال أذا الإقدام كان لهم ركابا..”.

وصلنا حوشا، فالأرض الشقراء كانت وقتها مثل صهيل الخيل، ورمالها أقرب إلى  الكوكب الدري في الأفق ، وسط ترحاب بيت الشعر المنصوب على ضفة الصحراء الشرقية.. ما أجمل نيسان في الصحراء، رغم دفء الشمس الفائض .!

صراحة الصحراء  شفافة، مثل نياق تتبختر في كبرياء.. قلت ذلك لصاحبنا د. المسفر، ليضيف: وهي صابرة مثلها ،فلا العطش يثنيها عن السير ولا الجوع يوقفها، ليتدخل الراحل د.القاضي بعفويته وقوميته : وللصحراء سواعد لا يثنيها التعب، رغم العتب على كل مواقفنا العربية مما يحدث للأمة.

كانت العراق عنوان الندوة ، حدث هذا في شهر نيسان من عام 1998 ، أذ قال د. المسفر أشياء كثيرة عن مستقبل الأمة ، وهاي تحدث راهنا ..الخنوع والخضوع أن تفرقت وحدتنا السياسية.. الركوع إن أستطاع الغرب ألى ذلك سبيلا ..آزره د.القاضي مضيفا : لو قدر للغرب وأمريكا على وجه الخصوص أن تنتزع أحلامنا من صدورنا لفعلت ، فهي يا صاحبي لا تريد لنا الخير، ولا تقيم لنا أي وزن، إلا بمقدار مصالحها ونهب ثرواتنا ..قلت: يبدو هذا قدرنا، فالسياسة قدر يحتكم الى قرار للخلاص من واقع يشتد سوءا ، مرده ضعفنا وفرقتنا ،وربما إدخالنا في دائرة الإلهاء والإهتمام بالتفاصيل الصغيرة لينشغل الغرب بتفاصيل أكبر تخصنا .. تخص الأمة ..!

حضر "الزاد” باللكنة البدوية الجميلة/الطعام ، ويصر د.القاضي على الإشراف على المائدة بنفسه إكراما للضيوف، وهذا من شيم مكارم الأخلاق ..وقتها كان د.القاضي عضو في مجلس النواب الأردني، وله بصمات مؤثرة، فهو صاحب فكرة صوت للوطن وصوت للدائرة ، كان قد حدثني بها في لقاء صحفي نشر في يومية "العرب اليوم” .. ويضيف د. القاضي وهو يوجه حديثه للدكتور المسفر: ماذا لو اجتمعت البرلمانات العربية ووحدت كلمتها في وجه الغرب، ووضعت الدول العربية مجتمعة أمام مسؤولياتها التاريخية؟ ليجيب د.المسفر بلكنته الخليجية الهادئة: هذا يبو ثائر يحتاج الى قرار سيادي ما هو موجود.. وأمريكا يبه بالمرصاد!

هي أمريكا التي تقف مثل "رصد” شيطاني لمواجهة أي حلم عربي، وهي أمريكا التي تسعى الى بعثرة مواقفنا، ونهب ثرواتنا، وذبح أحلامنا في المهد.. هي أمريكا التي تذبح الحلم بيد واليد الآخرى ترفع بها مشعل الحرية زورا وبهتانا ..وكذبا لا يساورنا فيه أي شك بصدقيتها الزائفة.

 صراحة الصحراء، وكبرياء رمالها، أعمق فكرا من ناطحات سحاب منهاتن، وأكثر ألقا من أضواء هوليوود.!!

كاتب وصحفي أردني..

تصميم و تطوير