د . ماجد الخواجا يكتب انحطاط قيمي

{title}
أخبار دقيقة -

وصلنا إلى أن نشاهد ونقرأ ونسمع عن جرائم لم نعهدها في عمرنا الفعّال، هذه جريمة تهتز لها الأبدان وتقشعر من هولها المشاعر، جريمة ارتكبها « معلّم» وبلغةٍ ثانية « مربّي» وزوجته، مدرّس فيزياء في إحدى مدن مصر يدرّس طالبا بعمر السادسة عشر دروساً خصوصية في مادة الفيزياء في منزل المدرّس، هذا الطالب من عائلة ميسورة ووالده لديه ثروة جيدة مع مشاريع تجارية ناجحة ولهم اعتبارية ومكانة لدى أهل المدينة، المدرّس عليه كثير من الالتزامات المادية التي أثقلت كاهله، علمت زوجته عن حالة الطالب الخلوق الطموح الذي يصوم ويصلّي، تفتق ذهن شيطانها عن فكرة اختطاف الطالب والتواصل مع أهله لطلب « الفدية» منهم.

يبدو أن الفكرة لاقت صدى ووقعاً إيجابياً عند زوجها المدرّس، كان الطالب قد أنهى درسه الخصوصي، وقفل عائداً على قدميه سيراً إلى منزله غير البعيد، اتصل المدرّس بالطالب وطلب منه أن يرجع إليه لأمر هام، الطالب مطمئن ولديه ثقة بالمدرّس، عاود الرجوع إلى بيت المدرّس، الذي استقبله وأدخله للمنزل، ثم يبدو أنه تمكن من الطالب وشد الوثاق على يديه وقدميه، ثم اتصل بأهل الطالب بشكل مرئي أظهر فيه الطالب وهو يقول لهم أن عليهم دفع الفدية من أجل تخليصه وأن لا يقوموا بالاتصال بالشرطة خشية قتله من قبل الجاني.

بعيداً عن بقية التفاصيل المفجعة والوحشية، التي وصلت بالمدرّس المجرم وزوجته المجرمة أن قاموا بقتل الطالب وتقطيعه إلى نصفين بواسطة المنشار الكهربائي وربما أيضا قطع رأسه الذي وجد في مكان ثالث وكلا نصفي جسده في مكانين أخريين، وانتهت الجريمة بسرعة اكتشاف مرتكبيها تصديقاً لمقولة أنه لا توجد جريمة كاملة.

أي انحدار وصلت إليه منظومة القيم والأخلاق الإنسانية، نعم هناك سقوط أخلاقي عالمي في مختلف المستويات والمجالات المجتمعية، ولم تستطع كافة ما تدعى « المنصات الأخلاقية» أو قواعد السلوك المهني والشخصي من أن تحافظ على حدٍّ أدنى من القيم الإنسانية.

لقد انتبه العالم لمعضلة ذوبان الضمير الإنساني، وبدأت حملات الصيانة لهذا الضمير الفردي والجمعي عبر إيجاد منظومة قواعد أخلاقية عامة وخاصة اعتقاداً بأنها ستعلي من شأن ومكانة الأخلاق في مختلف المفاصل والشؤون الحياتية للمجتمعات البشرية.

لكن مع شيوع الفوضى المتوحشة، وانتشار التفاهة السيبرانية، وسيادة الأنانية والبحث عن المكاسب السريعة والسهلة والمرتبطة بالتقليل من القيم الإنسانية، فأصبحنا منقادين للتفكك الأسري والانحطاط الاجتماعي، ودخلت علينا مفاهيم كانت تعتبر من المعيب الحديث عنها فكيف بالاتصاف بها.

حين وصل الحال إلى أن الأكثر تفاهةً هو الأكثر شهرة، والأكثر ميوعة هو الأكثر عائداً، كانت البوصلة الأخلاقية قد انحرفت عن اتجاهاتها المعلومة.

حين صرنا نشاهد الزوج وزوجته بأشكال تسوّل مادي بأساليب جنسية مخزية، ونشاهد الابن والأب في أدوار رديئة من الأخلاق وانعدام الاحترام بينهما، حين صرنا نشاهد الهوس المادي والجنسي عبر لايفات مزرية ودنيئة وغاية في الإسفاف.

حين أصبح ذلك هو السائد وهو القاعدة والمنصة السيبرانية التي تحصد المكاسب، كانت الأخلاق تعلن رحيلها النهائي عن حياتنا.

تصميم و تطوير