فاجأ المصرف المركزي اللبناني الأسواق المالية بقراره الذي أعاد فيه للعملة الوطنية بعضاً من الخسائر الفادحة، التي تكبدتها خلال الأيام المنصرمة نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وسمح المركزي اللبناني بقرار أصدره اليوم للأفراد والمؤسسات بشراء الدولار من المصارف عبر منصة "صيرفة" دون حدود، بسعر 38 ألف ليرة للدولار الواحد، ما انعكس تراجعا فوريا في سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى نحو 43 ألف ليرة للدولار، انخفاضا من مستويات 48 ألف ليرة سجلها خلال تعاملات صباح اليوم.
وكان مصرف لبنان يسمح للأفراد فقط بشراء 400 دولار شهريا كحد أقصى من المصارف على سعر منصة "صيرفة" البالغ سعرها حتى الأمس 31200 ليرة للدولار الواحد، ولكنه قرر رفع السعر إلى 38 ألف ليرة، والتدخل بشكل كبير في الأسواق، لردع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، الناتج عن عمليات المضاربة وتهريب الدولار خارج الحدود بحسب وصف المركزي.
ويقول الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفسور مارون خاطر إن فتح منصة صيرفة للجميع ودون تحديد سقف لعمليات شراء الدولار منها، يساهم في تخفيف الطلب على الدولار في السوق السوداء، وهو ما انعكس تراجعا فوريا لسعر الصرف في هذه السوق بعد صدور القرار.
ويرى خاطر أن مصرف لبنان من خلال هذا القرار، يحاول أن يمتص الكتلة النقدية الكبيرة من العملة اللبنانية الموجودة بين أيدي اللبنانيين، والتي يتم استخدامها في تأجيج عمليات المضاربة على العملة، وشراء الدولار من السوق السوداء، واصفا القرار بالترقيعي الذي لا يعالج أساس المشكلة والذي ستكون انعكاساته الإيجابية محدودة المدة.
وبحسب خاطر فإن المفارقة في بيان مصرف لبنان كان ما ذكره عن عمليات تهريب العملة الصعبة من لبنان إلى خارج البلاد، ما يشكل اعترافا واضحا من قبل المركزي على أن دولارات لبنان يتم تهريبها إلى سوريا، مشددا على أن مواجهة تهريب العملة الصعبة لا يكون بفتح منصة صيرفة للجميع وبدون سقوف، بل بخطوات وتدابير تحدّ من هذا التوجه.
من جهته يرى الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي، جوزيف فرح، أن مصرف لبنان لا يزال يملك الأدوات التي تمكنه من أن يبقى أحد اللاعبين الأساسيين في سوق القطع، وما فعله اليوم يدل على أنه قرّر الدخول في معركة مع المضاربين غير الشرعيين، الذين تحولوا إلى تجار يستفيدون من مسار انهيار الليرة اللبنانية الذي تسارعت فصوله في الآونة الأخيرة.
وقال فرح إن حاكم مصرف لبنان يعمد ككل مرة إلى إجراءات تؤدي إلى تخفيض سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إلا أن السعر يعاود ارتفاعه من جديد، طالما أن الأوضاع السياسية في لبنان لا تزال متأزمة، في ظل عدم إمكانية لانتخاب رئيس للجمهورية وغياب الإصلاحات المطلوبة، مروراً بتجميد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ويرى فرح أن السوق ستستمر في التخبط، وسط تساؤلات حول المصادر التي سيحصل منها مصرف لبنان على العملة الصعبة لتغطية عمليات شراء المواطنين والتجار للدولار من المصارف، مشيرا إلى أن غياب الشفافية في إجراءات المركزي اللبناني تحول دون الحصول على جواب واضح بهذا الشأن.