حين تتحوّل النقابة من مظلة حماية إلى بديل عن السوق …قراءة صادمة في مهنة المحاماة قبل أن تُدار بالأرقام كتب المحامي أسامة موسى البيطار
أخبار دقيقة -
لا خلاف على أن نقابة المحامين الأردنيين تقدّم مزايا حقيقية لأعضائها.
ولا جدال في أن هذه المزايا – من التقاعد، إلى التأمين، إلى الدعم التكافلي – تشكّل شبكة أمان نادرة في سوق مهني قاسٍ ومتقلّب.
لكن السؤال الذي نتجنّب طرحه، وربما نخشى نتائجه، هو السؤال الأخطر ؟
هل أصبحت هذه المزايا تعويضًا عن فشل أعمق في سوق المهنة؟
الحديث المتكرر عن "عظمة ما تقدّمه النقابة” يُخفي في كثير من الأحيان حقيقة غير مريحة وهي أننا نركّز على ما يحصل عليه المحامي من النقابة، أكثر مما نناقش ما يستطيع تحصيله من السوق ، ليس طبيعيًا – في أي مهنة حرة – أن يشعر المنتسب بالأمان الأساسي من خلال صندوق تقاعد وتكافل، لا من خلال عمله وإنتاجه.
ولا طبيعيًا أن يُقاس استقرار المحامي بما سيدفعه في نهاية خدمته، لا بما يكسبه خلال سنوات ممارسته.
المهنة السليمة لا تعيش على شبكات الأمان، بل على سوق عادل ومنتج.
وشبكة الأمان وُجدت لتُسند السوق، لا لتحلّ محله.
الإقبال الكبير… هل هو نجاح أم إنذار؟
حين يتجاوز عدد المنتسبين الجدد سنويًا ثلاثة آلاف محامٍ، فالسؤال الحقيقي ليس:
كم هذا رقم مشجّع؟ بل
هل السوق قادر على استيعابهم بكرامة؟
النقابة قد تنجح في تسجيلهم،وتأمينهم، وتكافلهم.
لكن من يحميهم من البطالة المقنّعة؟
من يحمي أتعابهم من الانهيار؟
من يحمي المهنة من التحوّل إلى لافتة بلا مضمون اقتصادي؟
النقابة، بطبيعتها، تجمع بين دور اجتماعي تكافلي ودور مهني تنظيمي
لكن الخلل يبدأ عندما يطغى الخطاب الاجتماعي ويُهمَّش النقاش المهني ويصبح الدفاع عن "المكتسبات” بديلاً عن إصلاح السوق
وأخطر ما يمكن أن يصيب أي مهنة هو أن تعتاد أزمتها، وتجمّلها بالأرقام.
لا نحب أن نقول إن عدد المحامين أكبر من حاجة السوق و التدريب لا يوازي الكمّ و الأتعاب في تراجع و المنافسة غير منضبطةوالعدالة في الفرص مفقودة
فنلجأ بدل ذلك إلى خطاب مطمئن:
"انظروا كم تقدّم النقابة”
بينما السؤال الأصدق هو: لماذا يحتاج المحامي لكل هذا الدعم أصلًا؟
النقابة ليست المشكلة.
والمزايا ليست الخطأ.
لكن تحويل المزايا إلى دليل صحة للمهنة، هو الوهم الأخطر.
ان المهنة القوية لا تقاس بقيمة التقاعد ولا بعدد المنتسبين بل بقدرة المحامي على العيش الكريم من عمله، اليوم، لا بعد ثلاثين عامًا وإن لم نبدأ بنقاش صريح حول اقتصاد المهنة، وتنظيم سوقها، وعدالة المنافسة فيها، سنجد أنفسنا بعد سنوات ندافع عن "نقابة قوية”… لمهنة ضعيفة.






