12 عاماُ خلف القضبان.. حكم جديد بسجن الحقوقية عبير موسي يعمق مأزق المعارضة في تونس

{title}
أخبار دقيقة -

في تطور قضائي يثير جدلاً واسعاً داخل تونس وخارجها، أصدرت محكمة تونسية يوم الجمعة حكماً بسجن زعيمة المعارضة البارزة والناشطة الحقوقية عبير موسي مدة 12 عاماً، بتهمة تدبير اعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة، ويعمق الحكم، الذي وصفه محاموها وأنصارها بالقاسي وغير المسبوق، أزمة المشهد السياسي التونسي، ويعيد إلى الواجهة الأسئلة المتعلقة باستقلال القضاء وحدود الملاحقة السياسية في البلاد.

أكد محامي عبير موسي صدور الحكم عن الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة تونس، مشيراً إلى أن الإدانة استندت إلى الفصل 72 من المجلة الجزائية، موضحاً أن هذا الفصل يعد من أخطر النصوص القانونية في التشريع التونسي، إذ ينص على عقوبات قد تصل إلى الإعدام، وهي عقوبة لم تنفذها تونس منذ مطلع التسعينات، ورغم أن المحكمة لم تذهب إلى الحد الأقصى للعقوبة، فإن الحكم بالسجن 12 عاماً اعتُبر رسالة شديدة اللهجة في حق إحدى أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في البلاد وفقاً لوكالة فرانس برس.

بداية القضية أمام القصر الرئاسي

تعود فصول القضية المعروفة إعلامياً باسم قضية مكتب الضبط إلى 3 أكتوبر 2023، عندما أوقفت قوات الأمن عبير موسي أمام القصر الرئاسي في العاصمة تونس، حينها كانت موسي تحاول إيداع طعون قانونية ضد مراسيم أصدرها الرئيس قيس سعيّد، وفق ما أكده الحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه، عملية الإيقاف تلك شكلت نقطة تحول في مسارها السياسي والقضائي، وفتحت الباب أمام سلسلة من المحاكمات التي لم تتوقف منذ ذلك التاريخ.

محامي عبير موسي نوفل بودن أعلن مباشرة بعد صدور الحكم أنه سيتقدم بطعن بالاستئناف، مؤكداً أن فريق الدفاع يعد الملف شابه العديد من الخروقات الإجرائية والقانونية، ويرى الدفاع أن توظيف الفصل 72 في هذه القضية يعكس توجهاً لتجريم الفعل السياسي والمعارضة السلمية، لا سيما أن الوقائع تعود إلى تحرك احتجاجي وقانوني، لا إلى أعمال عنف أو تخطيط عسكري كما يفترض نص الفصل.

محاكمات متتالية دون انقطاع

الحكم الصادر يوم الجمعة ليس الأول في سجل القضايا التي تلاحق عبير موسي في تونس، ففي أغسطس 2024، أُدينت للمرة الأولى وحكم عليها بالسجن لمدة عامين، قبل أن تخفف العقوبة إلى 16 شهراً عند الاستئناف، تلك الإدانة جاءت بناء على شكوى تقدمت بها هيئة الانتخابات، استناداً إلى مرسوم رئاسي يعاقب على إنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة.

ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى وجدت موسي نفسها أمام محاكمة جديدة، ففي يونيو الماضي، وبعد وقت قصير من انتهاء مدة عقوبتها الأولى، صدر في حقها حكم ثانٍ بالسجن لمدة عامين بموجب المرسوم نفسه، هذه القضية لا تزال معروضة حالياً أمام محكمة الاستئناف، ما يعني أن عبير موسي تواجه في الوقت ذاته عدة مسارات قضائية مفتوحة، تزيد من تعقيد وضعها القانوني.

إدانة حزبية واتهامات بالاحتجاز القسري

الحزب الدستوري الحر سارع إلى إدانة الحكم في بيان نشر بعيد صدوره، معتبراً أن ما تتعرض له رئيسة الحزب يمثل مظلمة سياسية وقضائية، ووصف البيان عبير موسي بأنها محتجزة قسرياً منذ 3 أكتوبر 2023، مندداً بما عده تجاوزات خطرة واعتداءات جسيمة على حريتها وحقوقها الأساسية، وأكد الحزب أن هذه الأحكام تأتي في إطار استهداف للمعارضة، وإقصاء الأصوات الرافضة للمسار السياسي الذي انطلق منذ صيف 2021.

عبير موسي محامية وسياسية معروفة، وتعد من أشد منتقدي الرئيس قيس سعيّد وسياساته، كما أنها من أبرز الخصوم السياسيين لحركة النهضة الإسلامية، وهذا الموقع جعلها في قلب الاستقطاب السياسي الحاد الذي تعيشه تونس منذ سنوات، وفي المقابل، يتهمها خصومها بالسعي إلى إعادة تأسيس نظام استبدادي شبيه بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، معتبرين أنها تمثل امتداداً سياسياً له، وهو ما تنفيه موسي باستمرار، مؤكدة أنها تدافع عن الدولة المدنية وعن مؤسساتها.

السجون تضم وجوهاً معارضة

قضية عبير موسي لا تنفصل عن سياق أوسع تعيشه تونس، حيث يقبع العشرات من شخصيات المعارضة السياسية والناشطين وراء القضبان، وقد صدرت بحق بعضهم أحكام بالسجن لفترات طويلة، خاصة في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، وهي محاكمة كبرى شملت أسماء بارزة من مختلف التيارات، إلى جانب ذلك، يحاكم آخرون بموجب المرسوم 54، وهو نص قانوني أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان بسبب صياغته الفضفاضة وتوسع القضاء في استعماله.

قلق حقوقي متصاعد

منظمات حقوقية محلية ودولية عبرت في مناسبات عدة عن قلقها إزاء مسار المحاكمات السياسية في تونس، وترى هذه المنظمات أن استخدام نصوص قانونية ثقيلة، مثل الفصل 72 أو المرسوم 54، في قضايا تتعلق بالتعبير السياسي أو النشاط المعارض، يهدد مكتسبات حقوق الإنسان التي تحققت بعد 2011، كما تحذر من أن تكرار الأحكام المشددة قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان السياسي والاجتماعي في بلد يواجه أصلاً تحديات اقتصادية ومعيشية خانقة.

تأتي إدانة عبير موسي بالسجن 12 عاماً في ظل تحولات عميقة يشهدها النظام السياسي التونسي منذ 25 يوليو 2021، عندما أعلن الرئيس قيس سعيّد إجراءات استثنائية شملت حل البرلمان وتجميد العمل بجزء من الدستور قبل إقرار دستور جديد عام 2022، هذه التحولات رافقها تضييق متزايد على المعارضة السياسية، ومحاكمات شملت صحفيين ونشطاء وقادة أحزاب. 

وتعد قضية مكتب الضبط واحدة من أبرز القضايا التي تعكس هذا المسار، إذ ارتبطت بمحاولة موسي الطعن في مراسيم رئاسية من أمام القصر الرئاسي، لتتحول لاحقا إلى ملف قضائي ثقيل انتهى بحكم 12 عاماً سجنا، في هذا السياق، يرى مراقبون أن مستقبل الحياة السياسية في تونس بات مرهوناً بقدرة السلطات على إيجاد توازن بين فرض القانون واحترام الحريات، في وقت تزداد فيه المخاوف من انغلاق المشهد وتراجع هامش التعددية.

تصميم و تطوير