عندما يقرر الحظ مصيرك: أغرب القوانين في التاريخ

{title}
أخبار دقيقة -

يقال أن العدالة عمياء ، لا تَعتمدُ على العواطف والمصادفات في أحكامها، لا يهم أن تكون غنيا أم فقير ، قويا أم ضعيف ، مشهورا أم مجرد شخص عادي ، العدالة لا تنظر إلى هذه الأمور ، بل تصدر أحكامها وفقا للأدلة والقرائن والشهود فقط.

لكن ماذا لو كان الأمر بشكل مغاير؟ ماذا سيحدث لو كانت حياتك على المحك ، وكانت العدالة لا تعتمد سوى على الصدفة والحظ!

تصور ان يكون دليل برائتك او ادانتك مرتبطا بقدرتك على السباحة أو ان تلحس قضيبا حديديا ساخنا درجة الاحمرار بلسانك!

في الماضي، لم تكن القوانين دائمًا كما نعرفها اليوم. بعض الشعوب ابتكرت قوانين غريبة، حيث كانت تُترك مصائر الناس للصدفة، للطبيعة، أو حتى لتدخل الآلهة ، وفي هذا الفيديو، سأخذكم في رحلة عبر أغرب المحاكمات والتقاليد القانونية التي حكمت البشر عبر التاريخ، حيث كان الحظ هو القاضي، وربما الجلاد أيضًا!

في حضارة بابل القديمة، حيث وُلدت أولى القوانين المكتوبة، كان للنهر دورٌ غريبٌ في تحقيق العدالة.

حيث جاء في مسلة حمورابي الشهيرة أنه إذا اتُّهِمَ شخصٌ بجريمة ، يُلقَى به في النهر. إذا نجا وطفا على السطح، فهذا دليل على أن الآلهة برّأته. أما إذا غرق… فهذا دليل لا يقبل الشك في أنه مذنب.

تخيلوا هذا السيناريو! حياتك بالكامل تعتمد على قدرتك على السباحة… أو ربما على مزاج النهر نفسه!

وفي الواقع لم يكن البابليون وحدهم من إستعملوا هذا النوع من إختبار العدالة ، ففي انجلترا العصور الوسطى شاع نوع مشابه ، كان المتهم يرمى في مياه النبع او البِركَة وهو مقيد ، لكن على عكس الطريقة البابلية كان المتهم يعتبر مذنبا إذا طفا ولم يغرق ، أما إذا غرق فذلك يعد دليلا على برائته!

وفي أوروبا العصور الوسطى أيضا، تم استعمال هذه الطريقة خلال الحملة الشعواء المشهورة التي عرفت بمطاردة الساحرات ، حيث سِيقت آلاف النساء عبر القارة إلى أبشع صور الموت .. حرقا .. وشنقا .. وتقطيعا ..

شَكلت الحملة سبيلا سهلا وخصبا لتصفية الحسابات القديمة وعمل الدسائس والمكائد ، تم إتهام نساء بريئات زورا بتهمة السحر للتخلص منهن لأسباب شتى .. كالعداوات ومسائل الوِرثِ والمشاكل العائلية.

وفي خِضم هذه الحملة البغيضة ظهر اختبار ماء جديد لا يقل قسوة عن نظيره البابلي القديم.

إذا اتُّهِمت امرأة بأنها ساحرة، كانت تُربَطُ بالحبال وتُلقى في بركة ماء ، إذا غَرقت وماتت، كانت بريئة. أما إذا طَفَت على السطح، فهي ساحرة، ويجب إعدامها.

أي أنها ميتة بالحالتين!

هذه القوانين لم تكن منطقية أبدًا. بل كانت مأساة… كيف للإنسان أن ينجو من هذه المحنة؟

ومازلنا في اوروبا العصور الوسطى ، حيث شاع اختبار آخر للعدالة فيه شيء كثير من الغرابة والقسوة.

كان الماء يوضع في قدر على النار حتى يغلي ، ثم يُطلَبَ من المتهم أن يمد يده ليلتقط حجرا صغيرا في قعر القدر ، وكان هذا الاختبار تسبقه صلوات إلى الله من أجل كشف المذنب ، وعادة ما يُجرى في الكنيسة.

وبعد الاختبار كانوا يضمدون يد المتهم لثلاثة أيام ، فإذا شفيت الحروق أو كانت في طور الشفاء خلال هذه الفترة يُعتبر المتهم بريئا ، أما إذا تعفن الجرح ، فيُعتبر مذنبا.

هناك عدة مصادر أوربية ذكرت هذا الاختبار الرهيب ، خصوصا في فترة العصور الوسطى المبكرة في فرنسا وانجلترا.


ولم يكن الماء الوسيلة الوحيدة لتحديد براءة الناس ، فاختبار العدالة بواسطة النار كان شائعا أيضا عند العديد من الشعوب. ومع أن طريقة تنفيذ هذا الاختبار تختلف من مكان لآخر ، إلا أن الفكرة والبشاعة واحدة ، فهو أختبار يتم بواسطة أشياء ذات صلةٍ بالنار والحرارة الشديدة.

خلال العصور الوسطى في اوروبا ، شاع اختبار النار بطريقتين ، أولهما المشي مباشرة على النار ، وكانت تتم عادة عن طريق وضع أسنان المحراث المعدنية على نار حامية حتى تتوهج كالجمر ، ثم يُطلب من المتهم المشي فوقها. وكان المتهم يوضع في الحبس وتتم معاينة حروقه ، فإذا شُفيت أو كانت في طور الشفاء خلال ثلاثة أيام ، يُعتبر ذلك دليلا على البراءة ، أما العكس فهو مؤشر على أن المتهم مذنب وتتم معاقبته فورا.

المصادر التاريخية القديمة حدثتنا عن بعض القصص الواقعية المتعلقة بهذا الاختبار ، منها قصة الراهب الفرنسي بطرس برتلمي الذي رافق الحملة الصليبية الأولى وزعم أنه عثر في مدينة إنطاكية على الحربة المقدسة التي طُعِنَ بها السيد المسيح أثناء الصَلب ، وذلك حسب رواية أنجيل يُوحَنَّا.

لكن رؤساء الحملة الصليبية ورجال الدين شككوا في مزاعم الراهب ، لذلك قرر إثبات كلامه عن طريق إجراءه طوعا لأختبار النار. وكانت النتيجة كارثية ، إذ مات بعد عدة أيام فقط من إجراء الاختبار متأثرا بالحروق التي أصيب بها.

الطريقة الثانية لاختبار النار كانت تتمثل في وضع قضيب حديدي على النار حتى يحمر ، ثم يطلب من المتهم أن يرفع القضيب بيده ويمشي به لقرابة ثلاثة أمتار ، وكانت النتيجة تتحدد أيضا حسب نسبة شفاء الحروق أو إلتهابها.

وهناك قصة شهيرة حول هذا الأختبار لا تخلو من طرافة وذكاء ، فالإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثامن ، قبل توليه العرش ، حين كان حاكما لإحدى المقاطعات ، تم اتهامه أمام الإمبراطور جون الثالث بأنه خائن ومُتآمر ، وكان أحد المطارنة من رجال الدين المقربين من الإمبراطور من أشد المؤيدين لهذا الاتهام ، وأشار على الأمبراطور أن يُخضِع ميخائيل لأختبار النار تحت إشراف الكنيسة ليثبت برائته ، لكن ميخائيل أستطاع بذكاء التملص من هذا الأختبار الرهيب قائلا للإمبراطور بأنه مستعد أن يحمل القضيب الحديدي الملتهب في حالة واحدة ، هي أن يأخذ المطران القضيب أولا من الموقد ويناوله إياه ، في هذه الحالة فقط سيكون متأكدا من صحة الأختبار بعد أن لمسته يد المطران المباركة. طبعا هذه الحيلة اجبرت المطران على التراجع عن فكرة الاختبار وخلصت ميخائيل من امتحان مدمر قد تكون نتيجته مميتة. ولاحقا حين تولى ميخائيل العرش أصدر مرسوما بمنع اجراء اختبار النار في جميع أرجاء الامبراطورية.

في إيران قبل الإسلام ، كانت النار أهم ركائز الديانة الزادشتية التي كانت سائدة في البلاد آنذاك ، كانوا يعتبرون النار مقدسة ومطهرة ، وكانت هناك عدة اختبارات عدالة ترتبط بالنار ، أكثرها شيوعا هي أن يقوم الشخص المتهم بالعبور من خلال شعلة النار المتأججة ، فإذا خرج سالما كان ذلك دليل برائته ، وإذا أصابته الحروق كان مذنبا.

أما في الهند ، فقد كان على المتهم أن يجلس في نار المحرقة ، وذلك بعد أن يقوم الراهب بتلاوة صلوات هندوسية ، وكانوا يعتقدون أن النار لن تمس الشخص البرئ بسوء أما المذنب فسيحترق حتى الموت.

أما لدى العرب فهناك نوع من اختبار النار يعرف بالبشعة. هذا الاختبار شائع لدى بعض القبائل العربية في البدو والحضر ، قديما وحديثا ، وإن كان آخذا في الانحسار.

يجرى الاختبار على يد شخص متخصص يسمى المُبشَع ، وتتلخص العملية في استخدام قضيب من الحديد يشبه المغرفة الطويلة ، ويسمى الطاسة ، يوضع على النار حتى يتوهج ويصل درجة الإحمرار.

ثم يُطلب من الشخص المتهم أن يتمضمض بالماء وأن يُخرج لسانه ليراه الجميع ، بعدها يقوم المُبشَع بمسح لسان المتهم بالقضيب الحديدي ، ثم يتم فحص لسان المتهم مرة اخرى ، فإن كان تَعرضَ لحروق شديدة فهذا دليل الذنب ، وإن كان سليما فهذا يدل على البراءة.

بالطبع طريقة الإختبار هذه تعد من التقاليد المتوارثة لتحقيق العدالة ولا علاقة لها بالقانون أو الشرع.

هناك طرق واختبارات أخرى لعدالة الحظ والصدفة ، منها تقديم طعام أو شراب معين للمتهم ، فإذا بلعهُ بسهولة يُعد بريئا ، أما إذا وقفَ الطعام في بلعومه أو واجه صعوبة بالبلع فيعد مذنبا!

وهناك طريقة أخرى مشابهة في أفريقيا ، حيث يتم تقديم نوع من الحبوب شديد السُمية للمتهم ، فأذا تقيأها فهو بريء ، أما لو استقرت في معدته وسببت له التسمم والموت فهو مذنب.

من الطرق القديمة أيضا إثبات البراءة بالتحدي والنزال ، حيث يقوم الشخص المتهم بمنازلة الشخص الذي وجه له التهمة ، أي أنه نزال بين المُدعي والمُدعى عليه ، والفائز يعتبر صادقا والخاسر كاذبا.

طبعا هذه الطرق وغيرها تُعد ضربا من الجنون بالنسبة لمعظم الناس اليوم ، لكن رغم غرابتها وعدم جدواها من ناحية تحقيق العدالة الحقيقية ، إلا أنها في نفس الوقت لعبت دورا مهما في الماضي في إستباب الأمن عن طريق إشاعة الخوف في قلوب الناس من إقتراف الجرائم لكي لا يتعرضوا لتلك الاختبارات الرهيبة ، فهم على عكسنا اليوم ، كانوا موقنين ومؤمنين تماما بجدوى تلك الأختبارات.

تصميم و تطوير