عدنان نصار: ثلاثية العيد.. الفرح المخبوء والحزن المعلن
أخبار دقيقة -
غزة..
ينبغي ألا يغيب عن الوجدان والذهن مطلقا ، أن ما تقدمه غزة من نضالات تمليها طبيعة التحدي الصهيوني المحتل لأرض فلسطين العربية..،وهي تحديات مفروضة ، كما هو نضال واجب يتفق مع الحضور المستنير للخطر الصهيوني المقبل..وينبغي بذات الوقت ضرورة إستنهاض قوة العقل وسطوة المنطق والنضج السياسي العسكري كشرط أساسي لإستمرار الحياة وإحياء الضمير الإنساني ، لمواجهة عدو فقد الحياء ..ينبغي ألا يغيب عن الوجدان أننا خير أمة ..نخضع للطاعة من أولياء أمرنا ولا نخرج عن الطاعة ؛غير أن الإحتجاج بكل أدواته لم يعد قادر على إعادة تشكيل مواقف العالم الحر ..وإعادة تموضع للعربي الرسمي راسم سياستنا ..قلنا : عندنا الطاعة ، لكن هل يعي ولاة أمرنا حجم وجعك يا غزة.؟!
أتبختر في طرقات المدن ، تحديدا في الليلة التي تسبق عيد الفطر ، أقرأ ما أمكن من تفاصيل الناس العابرة في الطرقات ، فهم على أية حال مجس وبوصلة تحدد إتجاهات عديدة ، ولعل كل تفصيل صغير أو كبير ، مستور أو معلن يمنح المتمرس في قراءة التفاصيل قدرة إضافية وتصور ورؤية لحجم الإحتجاجات الصامتة ؛على الرغم من أن الناس تنتظر الفرح ،بل وتبحث عنه في زوايا الطرقات ،فربما تصطدم القلوب بجناح طير متصالح مع نفسه يجيء على شكل هدية العيد ..هدية مغلفة بورق السولفان ، ربما يا صاحبي فالقلب قد "إشتاق لعشق الجمال..بعد أن أضناه التعب "!
الليلة الكبيرة ، يا عم والعالم كتيرة ..
العيد يقف خلف الباب ، والناس في حالة تأهب قصوى لإستقبال العيد ..كلهم ينتظرون ، رغم أن قول المتنبي الحاضر بيننا :”وصرت إذا أصابتني السهام ..تكسرت النصال على النصال”!! وعلى الرغم من الفرح المخبوء ، أيضا ثمة حزن على الوجوه ، فالعيد على أية حال له شروطه التي يفرضها رغم الظلم والظلام الذي يلف العالم ..
أتبختر في الشوارع والحارات القديمة وأسواق المدينة ، أستحضر أغنية نجاة الصغيرة :”دوارين في الشوارع دوارين في الحارات” ..فهنا يلتقي الفرح مع الحزن ، والرخاء مع الشدة ..غير أن وجع الكبار لا يتفهمه الصغار ، فهم يريدون الأمل ،وهم صناعه البارعين ..هنا ، تختلف جراح الناس ويتفاوت الألم ، فالأرض التي يفرشها ربيع نيسان تليق بها الأزهار ، ويليق بها العشق الليلكي ..إنها ليلة العيد يا صاحبي ، ففي ليلته الكبيرة يغني الراحل مكاوي:”الليلة الكبيرة يا عم والعالم كتيرة ..” وفي الصبح الباكر تنهض نساء المدينة العتيقة ليحملن مع صبح العيد سعف النخيل وأغصان الزيتون لتجميل قبور الغائبين الراقدين تحت التراب ، وإلقاء تحية العيد عليهم ، يا هذا العيد ، أغرقتنا دموع المباهج ، وأغرفتنا أحزان غزة .!
(3)
عمان ..
على بابك يلوح الأمل ، وعلى جبالك تقف الضمائر ، وفي وسطك الأنيق ترتسم اللوحات ..فثمة إندهاش يحوطني وأنا أتبختر في محيط الحسيني الكبير ..أتوقف ،ثم أمشي ، يصطدم الكتف بالكتف ، أعتذر ثم أتابع المشي ..لا وقت للإعتذار فهنا تزدحم القلوب بالخفقان ،كما تزدحم بالحركة ..الفترينات مضاءة ، وصوت الباعة يعيدني الى ميناء بيروت :”عندك بحرية يا ريس..” أبتسم لوحدي فلا رفيق معي ،يظن أحدهم أني أغازل قريني ، استعيد هيبة الصمت والإتزان ثم أتابع المشي الى وسط المدينة /عمان/ ..يأخذني التقليد المحبب الى محل كنافة قريب ،آخذ حصتي واقفا ، ثم أتجه الى المقهى العريق "كوكب الشرق” يرحب بي "ابو طه” صاحب المقهى ، ويسألني :”وين هالغيبة يا أستاذ عدنان” ..هي المشاغل يا صاحبي لكننا لا نسقط المشاعل ..من على شرفة المقهى حيث أجلس اتابع الوجوه العابرة ، وإزدحامات ليلة العيد ، أفرح رغم الحزن الذي يلفنا على غزة ، فأصب اللعنات على الطغاة الصهاينة ..ما أحوج العالم كله الى هدوء بال وفرح ..لكن.!!
هي عمان، الممسكة بصولجان العشق العربي ، وعمان التي تغرس زيتونها في أرض اليباس العربي لتزيل اليأس ..ماذا لو قلت لك/ي اليوم يا عمان :” أقيمي صروح للشهداء ،وازرعي السوسنة ، وهزي إليكي بجذع النخلة ليتساقط الرطب على أكتاف العاشقين ،والعابرين والصابرين والشاكرين ..ماذا لو قلت :”انت/ي صنو العرب يا عمان ،وانتي نصالها التي لا تصدأ ابدا .