أريد أن أختم حياتي بهذه المهنة (بياع بلالين)
أخبار دقيقة -
كتب - عبد الهادي راجي المجالي
اكتشفت وأنا أشاهد تقارير الفضائيات عن استشهاد خالد نبهان في غزة صاحب المقولة المشهورة عن حفيدته الشهيدة: (يا روح الروح).. أن أفضل مهنة يمتهنها من هو مثلي هي: (بياع بلالين في غزة).
خالد النبهان أصلا بعد وفاة حفيدته، نذر نفسه لخدمة الأطفال، وكان يقوم بصناعة الطائرات الورقية لهم ويطلقها في سماء غزة.. أنا أريد أن أكون (بياع بلالين).. الأطفال يحبون (البالونات) ويستمتعون في اللعب بها.
سأربط خيط (البالون) في إصبع الكف الأيمن حتى لا يطير في الهواء، وسأبيع كل (بالون) مقابل قبلة على القدم، الأطفال إن قبلتهم من يدهم فطعم القبلة سكر وإن قبلتهم من القدم فطعمها سكر أيضا.. قبلة مقابل كل بالون.
أخاف أن يباغتني أحد (البالونات) ويطير اتجاه عسقلان، فتقصفه إسرائيل عبر القبة الحديدة وتضعني في خانات الإرهاب وتدعي أن البالونات كانت ممتلئة بغازات كيماوية.. إسرائيل تكذب في كل شيء، حتى الكذب صار يخجل منهم لكثرة ما حرفوا فيه وشوهوه.
أريد أن أقوم بنفخ (البلالين) على شاطئ غزة، وليعذرني الأطفال إن تأخرت فأنفاسي لم تعد كما كانت منذ زمن، ربما العمر ربما التدخين.. وربما المشهد وربما.. أن الأجواء صارت ملوثة، ولكني أطمئن الأطفال أن النفس القومي ما زال يعمل والنفس الفلسطيني مازال يضخ الهواء من الرئة، أطمئنهم بأن الهواء في رئتي.. حين يصفر في النوم.. فهو يصفر باسم فلسطين لا غيرها، هذا التراب الحر تسلل حتى لقصبات الرئة.
سأنفخ (البلالين) أيضا وأعلقها على قبور الأطفال الذين سقطوا شهداء في الحرب.. على كل شاهد كل قبر (بالونا) وسأكتب اسم الشهيد وتاريخ ميلاده، وكيف استشهد.. وللعلم أشواك غزة لن تقوم بثقب (البالونات).. حتى لو لامستها، لأن الشوك هناك لكثرة ما شاهد من قصف، ولكثرة ما شاهد من دم.. صار حنونا، أي وطن هذا الذي تحول الشوك فيه لقصيدة عشق وحنان، في حين أن القلوب كلها في هذا العالم الرديء.. صارت براميل حقد ومضخات لشرعنة القتل ولشرعنة التدمير ولشرعنة وأد الحياة.
ليقولوا عني: ها قد جاء بياع (البلالين)، على الأقل سأكون في غزة أهم مستثمر عربي، سأكون أهم من نجيب سوريس، هو يستثمر في الفنادق ويدفع ضرائب باهظة ويدخل صفقات رابحة وأخرى خاسرة، بالمقابل أنا المستثمر الوحيد في هذا العالم الذي لا يخسر، من قال إن قبلات الأطفال في غزة تجلب الخسائر؟.. هي أصلا تجلب الأرباح، وفي كل قبلة تشم رائحة الشهداء، ومعنى الهوية.. وتشم رائحة الصبر العظيم.. وتتذوق طعم فلسطين.
(البلالين) حين ترتفع في غزة، حتما ستصل إلى ارتفاعات أعلى من كل الأبراج في عواصم الغرب، هي تسرق عيون الأطفال ولهفتهم.. هي تعطيهم بعض الفرح.. في حين أن الاستثمار في المباني العالية، يجلب للفقراء الحسرة وبعض أوجاع الرقبة.
ليقولوا عني (بياع البلالين).. وإن انتظرني طفل من غزة، وعدت إليه وقد نفدت مني البضاعة، سأنفخ خدي له، وليصفعني عليه.. ليصفعني بقدمه، أنا سأقبل ذلك على الأقل هذه القدم قاومت الموت والنزوح والقنابل، قاومت أشرس حرب وأعتى أشكال التدمير.. أي شرف هذا الذي ستحمله صفعة (الصندل) على خدي؟.. أظن أنه شرف ما بعده شرف.
أريد أن أختم حياتي بهذه المهنة (بياع بلالين).. أريد أن استثمر في الحب والقبلات العذبة، في حمل الأطفال.. ونفخ (البلالين) لهم.. وأنا صدقوني أؤمن أن الظلم في هذا العالم، لا يختلف عن (بالون).. انفجر نتيجة وخز من إبرة، سيتمرن أطفال غزة هناك على (فرقعة البالونات) حتما، ولن يخافوا من الصوت لأن صوت القنابل الضخمة لم يرهبهم.. ولكن (فرقعة) البالون.. هي مقدمة (لفرقعة) كيان كان اسمه إسرائيل.. صدقوني أن لا فارق بين (البالون) وإسرائيل.. وحتما الجيل القادم (سيفرقع) الاثنين