بين فكيّ كماشة الأطباء وشركات التأمين
منذ 14 عاما لم تطرأ أي زيادة على رواتب الموظفين، فيما يعيش اكثر من 170,000 متقاعد مدني أحيلوا للتقاعد قبل الهيكلة (2012 ) بمعدل رواتب لا تتجاوز 259 دينارا، هؤلاء امتنعت الحكومات عن رفع علاوة المعيشة لهم، وهذه الرواتب تقع تحت خط الفقر ولا تصل إلى الحد الأدنى للأجور، لا تسأل بالطبع عن رواتب العمال والموظفين في القطاع الخاص، ولا عن نسب البطالة والفقر والوضع الاقتصادي العام لأغلبية الأردنيين، الحالة اصبحت مكشوفة ومعروفه تماما، ولا تحتاج إلى تفاصيل.
في سياق هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ثم بكبسة زر إقرار لائحة الأجور الطبية للأطباء والتي تضمنت رفع الأسعار بنسبة تصل إلى 100%، مرّ القرار دون أن يخضع للنقاش العام، النخب في بلدنا ما زالت مشغولة بالحرب على غزة، الداخل الأردني وقضايا الأردنيين لا تستحق لدى الكثيرين أي اهتمام، ما علينا، اصطدم القرار بموقف شركات التأمين التي رفضت تطبيق اللائحة، وقدمت قائمة أجور خاصة بها، الضحايا والمتضررون في هذا الصراع على المكاسب هم المرضى الأردنيون ؛ هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم بين فكي كماشة الأطباء وشركات التأمين.
لا أريد أن أسأل : مَن على حق، او من تغول اكثر على الآخر، نقابة الأطباء أم شركات التأمين؟ الإجابة، بالنسبة لمئات الآلاف من الأردنيين المنتفعين من التأمين الصحي الخاص، غير مهمة، لكن هذا السؤال «الغلط « يستدعي سؤالا آخر أهم، وهو أين إدارات الدولة مما يحدث، ولماذا لم تتحرك وزارة الصحة أو البنك المركزي أو غيرهما من الجهات المسؤولة لحسم الخلاف بين الأطباء وشركات التأمين، بما يلجم من تغول على المواطن، و يحقق مصالح المرضى أيضا؟
كان من الواجب أن يتحرك الاطباء الأعزاء، ومعهم شركات التأمين، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا، على قاعدة «نرفع الأجور والرواتب معا او نتحمل معا»، لكن ذلك لم يحدث، لا أريد أن أقول : إن بعض نخبنا ورأسمالنا الوطني أصبحوا اكثر توحشا مما كنا نعتقد، أقول فقط: ان الاستقواء على المواطنين وصل حدا لا يطاق، وان كل ما نكرره عن تقوية الجبهة الداخلية، وعن رص الصفوف لمواجهة الأخطار القادمة، وعن اعادة الروح الوطنية لأبنائنا ورفع همتهم، كل هذه الدعوات والتعبئة تصطدم للأسف بقرارات واجراءات لا تتناسب مع مسؤولية الأمانة الوطنية التي أقسمنا عليها، ولا تعكس الحس الوطني الذي يفترض ان يلتزم به الجميع، وفهمكم كفاية.
للتذكير فقط، بحجة «حماية المجتمع» من أخطاء العاملين في الصحافة والإعلام، استبسلت الحكومات المتعاقبة بإصدار وتطبيق ما يلزم من قوانين (12 قانونا ناظما للإعلام)، فأحكمت قبضتها على أصحاب المهنة، قلنا: لا بأس، حماية المجتمع والدولة أهم من الحريات الصحفية، ومن رغيف الصحفيين أيضا.
لكن ماذا عن حماية أرواح الناس وصحتهم من أخطاء بعض العاملين في مهنة «الطبابة» ومن تراجع الخدمات الصحية؟ ألا يستدعي ذلك تفعيل قانون المسؤولية الطبية، وضبط فوضى الأسعار والإجراءات والتهرب الضريبي في القطاع الطبي الخاص ( تم تجميد نظام الفوترة) والأهم إعادة تأهيل «الطبابة» الحكومية، وتوسيع شبكتها وإصلاح مرافقها، لتتمكن من تقديم أفضل خدمة للمواطنين؟