ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟

{title}
أخبار دقيقة - كتب - منذر الحوارات 
صار الحديث عن  الخطر الوجودي الذي يهدد كيان الدولة وهويتها في آن معاً حدثاً يومياً في نقاشات العديد من الفئات الاجتماعية، لقد أخذت هذه المخاوف عدة أبعاد بعضها يرى أن الخطر داخلي والآخر يراه خارجياً فما القصة؟  من يرون أن الخطر خارجي فيركزون على مستقبل القضية الفلسطينية والمشروع الإسرائيلي العامل على تصفيتها ومحاولة الحل على حساب الأردن، وبعض المخاوف تركز على فوضى الإقليم وما يمكن أن تؤول إليه، أما الطرف الآخر فيرى أن الخطر الحقيقي يأتي من الداخل وتداعياته، فالأزمات الاقتصادية وانعكاساتها الخطيرة على المستوى الاجتماعي يمكن أن تكون نقطة انطلاق لفوضى اجتماعية تهدد بخطر جسيم، لكن هناك من يرى أن هذا الخطر قابل للتجاوز والاحتواء، ولكن ما يخيفهم هو الهلامية الهوياتية؛ والمعنى هنا هوية الدولة والكيان السياسي بالإضافة إلى الهوية الثقافية، التي باتت حديث كل مشغول بالشأن العام وبالطبع يرى هؤلاء أن الدولة تحوي بين ثناياها عناصر موترة كثيرة.

لكل هذه المخاوف ما يبررها فلو أخذنا الخطر الجيوسياسي سنجد أن الأردن في عين كل عواصف الإقليم، وهذه يعرفها القاصي والداني وتحيط بالأردن مثل إحاطة السوار بالمعصم وتهدد بنسف أي إنجاز وطني يمكن تحقيقه، وكلها مدعاة للقلق لكن حتى الآن تنجح الدولة في إيجاد معادلة إقليمية ودولية تمكنها من التملص من التأثيرات المؤلمة لهذه الأحداث، أما عند الذهاب إلى الخطر الاقتصادي فإنه يشكل بؤرة حقيقية لمستقبل غير آمن، فلا شيء أكثر من انعدام الفرص قدرة على إنتاج الغضب والتمرد.


لكن من الواضح أن الخوف على الهوية الوطنية الأردنية بمعناها السياسي والثقافي هو مصدر القلق الحقيقي بسبب ربما تغيرات ديمغرافية مقبلة، كما أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة عَمّق من هذه المخاوف لما رافقه من تهكم بعض الفئات الاجتماعية على موقف الحكومة الأردنية، الذي رأى فيه كثيرون تجاوزاً ونكراناً لمفهوم الانتماء الوطني وفكرة المواطنة، لكن يجب الوقوف مطولاً عند مفهوم الهوية الوطنية الأردنية فالبعض يراها راسخة في القدم، والبعض الآخر يراها وليدة نشوء الدولة الأردنية الحديثة، وبالتالي هي كغيرها من الهويات الوطنية الثقافية لدول المنطقة ما تزال رهن التشكل، لكن يتم إغفال حقيقة جوهرية أن هذه الهوية الأردنية تميزت بذكاء استثنائي، فقد تبنت العديد  من المشاريع الكبرى وامتزجت فيها وغاصت في رحابها دون أن تختفي، إبتداء من المشروع القومي العربي وعبوراً بالإسلامي ولا ننسى المشروع الوطني الفلسطيني وهي نفسها تلقت عشرات الهجرات بكل ما تحويه من ثقافات متعددة، ولكنها خرجت في النهاية وهي أكثر غزارة وقوة ومتانة برغم ما يعتقده البعض ويروّج عن ضعفها وهشاشتها، رغم أنها كهوية ثقافية لم تشهد، إلا حديثاً، بداية التركيز عليها وإعطائها بعضا مما تستحق من التظهير والاهتمام، أما قبل ذلك فقد اختفت في سياق تلك المشاريع الكبرى.


مع بدء التركيز هذا ظهر التزاحم بين مشروع التأكيد على الأردنية وبين المشروعين المتبقيين على قيد الحياة؛ المشروع الإسلامي والذي يرى أن أي دولة جزء من مشروعه وليس كل مشروعه، وبالتالي لا يمكن الحديث عن هوية وطنية ناجزة في ظله، والثاني هو المشروع التحرري الفلسطيني المسلح والذي اختفى تقريباً مع أوسلو ولكنه عاد مع ظهور حماس، والأخيرة استطاعت أن تستحوذ على قلوب وعقول كثير من الأردنيين بالذات بعد طوفان الأقصى، مما  فجر الكثير من المخاوف بانزلاق الدولة إلى مواجهة تتصاعد مع الأيام بالذات حالة التبني المجتمعي شبه  الكلية والتي وضعت (حماس) في موقع المقدس ووضعت الدولة في موقع المتآمر، طبعاً في الجهة الأخرى هناك من رأى في هذا الموقف نكراناً للأردن ولالتزامات المواطنة، وأنه يشكل طعناً بالأردن ومواقفه تجاه القضية الفلسطينية، وهنا بالذات بدأت المواجهة تستعر والتي يرى الكثيرون أنها مصدر الخطر الحقيقي الذي يهدد كيان الدولة على اعتبار أن هذا التناقض الهوياتي لا يمكن السكوت عنه.


يمكن لهذه المواجهة أن تكون خطرة لكنها غير مستدامة، إذ سرعان ما ستهدأ النفوس بالذات مع ظهور نتائج وتداعيات المرحلة الحالية، فعندما سينجلي غبار المرحلة سيرى كل واحد مصداقية قناعاته وموقفه، فهذه المرحلة تميزت بفيض هائل من الانفعالات والأحلام الطوباوية والتي سرعان ما سنصحو منها على واقع أليم وموجع وهذا هو الخطر الحقيقي الذي ينبغي علينا الاستعداد له بشكل جدي، على كل الأحوال لا يجب أبداً المغامرة بالتخلي عن الانفتاح المتبادل؛ لأنه وحده القادر على تهدئة النفوس وإزالة المخاوف للوصول إلى المستقبل بشكل آمن.

تصميم و تطوير