قضبان الحب ..واللّهفة المُهلكة

{title}
أخبار دقيقة -
 
 كتب - فايز الشاقلدي 
  المرأة هي الرّقم الأصعب في معادلة الحُبّ، حين تخذلنا الظّروف والأحبّة والصُّحبة نجدها الظّهر القويّ الذّي نستند إليه ولا يميل. "فمنْ يستنِـد إلى امرأةٍ تحبُّه لا يسقطُ أبداً. 
 الحبّ هو أن ترى قدرك في عين مُحبّك، تجد فعله يسبق قوله، مشاعره تسبق بَوْحُه، روحه لا تفارقك، سعادته بقربك تقرأها في عينيه، لا تعجزه المسافات، ولا يشغله عنك شاغل إن أراد وصلك. الحبّ هو أن تبلغ أقصى الأماكن وأكثرها مشقّة ولا تشعر بعناء المسافة، الحبّ أمان واطمئنان، الحبّ أكبر من أن تختزله كلمة أو بيت شِعر.
 
"والحقيقة أنّ الحروف تحجب ولا تكشف، وتضلّل ولا تدلّل، وتشوّه ولا توضّح، وهي أدوات التباس أكثر منها أدوات تحديد. وللصّمت المُفعَم بالشّعور حُكم أقوى من حكم الكلمات، وله إشعاع وله قدرته الخاصّة على الفعل والتّأثير. والمحبّ الصّامت يستطيع أن ينقل لغته وحبّه إلى الآخر إذا كان الآخر على نفس المستوى من رهافة الحسّ، وإذا كان هو الآخر قادرًا على السّمع بلا أذن والكلام بلا نطق"....مقتبس من الدكتور مصطفى محمود .
 الحب متطلب روحي نفسي، هو أعلى مستويات الوعي التي تطمح إليها النفس الإنسانية حتى تتحقق عافيتها، وأقصد الحب الحقيقي المتزن، المحقق لمقاصد جلية، والذي منبعه المورد الإسلامي، الذي جعل الحب يأتي في الدرجة الأولى، سواء في علاقة الحب بين النفس الإنسانية وربها، أو بين النفس الإنسانية وذاتها، أو بين النفس الإنسانية والآخر.
إن علاقة الحب ابتداء بين النفس الإنسانية وربها، هي علاقة سماوية عقدية، تتوقف على منظومة الحب الرباني، قال تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ (المائدة:54)، وقال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ((إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، …))، علاقة الحب المتبادلة بين الله تعالى والنفس الإنسانية علاقة تتحقق بها كافة احتياجاته؛ فإذا أحب الله تعالى النفس الإنسانية -العبد- فهو كافيها ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ (الزمر:36)، إذ الله تعالى هو الذي علمنا الحب حين طلب من جبريل عليه السلام "إني أحب فلانا فأحبوه".
كما أن هناك صفات رحمانية خاصة؛ خاضعة لمنظومة الحب، فما إن اتصف النفس الإنسانية بهذه الصفة أو الصفات إلا أحبها الله تعالى، فيتبقى على النفس الإنسانية التحلي بها باستمرار، وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في منهجه الحكيم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة:195)، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة:222)، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران:76) ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران:146)، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران:159)، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة:108)، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الحجرات:9)، ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصُ﴾ (الصف:4)، والنفس الإنسانية إن تحلت بهذه الصفات ارتقت وشعت من ذاتها إشراقات سماوية، وفيوضات نورانية ترتسم عليها، فتتجلى في سلوكياتها وتصرفاتها.
ثم تأتي علاقة الحب المتلازمة لحب الله تعالى، قال عز من قال ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران:31)، علاقة حب النفس الإنسانية لرسولها الكريم صلوات الله عليه، البشير النذير، الدال على المصير، إذ لا يتأتى الحب من الله تعالى للنفس الإنسانية حتى تتعايش النفس الحب مع رسولها الكريم صلوات الله عليه وسلم، الذي أحب الآخر شفقة ورحمة، وتعامل معه ودا ولطفا، وحتى الجمادات كان لها حظ من حبه وعطفه ورحمته، فهو مدرسة الحب الرحمانية، التي يجب أن نتعلم منها حتى نفلح، ويتجلى ذلك حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معاذ إني أحبك"، وكذلك حين طلب أن نقول لمن نحب "إني احبك في الله".
إن علاقة الحب الإنسانية الأرضية الفطرية، والتي جاءت من بداية ولادة النفس الإنسانية، ولدت هذه العلاقة من حب الأم لوليدها، فنجد الوليد الذي ينفصل عن أمه، جاء معه الحب الأمومي الفطري الناتج عن وعي الأم لتأمين الغذاء والكساء والسكن لطفلها، فكان الاتصال المباشر بين الأم ووليدها ثمرة الحب الفطري غير المشروط، فنشأت علاقة حب فطرية قوية، حماها المنهج الحكيم وقوى أواصرها، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء:23). 

 الحب هو السعادة الحقيقية، لكن هنالك عوائق تعترض الحب، تنشأ من صفات شيطانية وأخرى حيوانية قد تتملكنا، ولكن لا يتم السيطرة عليها بمزيد من الضغط، وإنما بالتواصل بالله المحب، وبالتواضع والتخلي عن الأنانية والمصلحة الذاتية الشخصية، عندئذ يصبح الحب هدفا أساسيا وأسلوبا في الحياة.
الحب مشاعر معدية للأشخاص الآخرين، فعند البدء بالاحترام والرعاية والعناية بأحدهم برحمة، تنتقل هذه المشاعر إليه، حيث يسعى إلى مقابلة تلك المشاعر المترجمة إلى سلوكيات إيجابية بصورة أفضل، والحب الحقيقي لا يوجد له وقت محدد، ولذلك تجد المحب دوما تتملكه مشاعر الحزن عندما يحزن من يحب، ويتألم لمن يتألم، ويفرح لمن يفرح.
الحب تحقيق للذات، لا نسعى به لتحقيق مكسب أو تعويض نقص، يضفي جوا من السكينة على النفس، فينعكس على الآخر دون أن ندري، إذ عندما تكون في نطاق الحب يغدو العالم أكثر رحمة ولطفا وودا وتعاونا، ويسود شعور الأمان والتوافق مع كل البشر، وتسري عذوبة ملحوظة للشخصية، وللكلام والمواقف، ويلين نمط الحياة الذي ينشأ في دواخلنا.
فإن أردتَ ألَّا تنسى! صُنْ الحبّ، فهو كالدّرع، إن أحسنتَ صقْله وصنعه حَفِظك، وإن تهاونت في بعضه، فلا تدري من أيّة ثغرة ينفد منها السّهم إلى جسدك. كنْ كريمًا جَوادًا في وهْبِك، عزيز النّفس في طلبك. فإن أكرمت الحبّ أكرمك، وإن تعاليت عليه أهانك بالتخلّي. من يعرف الإحسان في الحبّ، يعلم جيّدًا أنّ كل خطوة يخطوها الطّرف الثّاني إليه، ما هي إلَّا قلب أجوف يحتاج إلى أن يُضخّ الدّم فيه كي يهِب الحياة. يعلم أنّ الحبّ يأتي أحيانًا على هيئة تنازلات (هزائم مزيّفة)، لا نسعى فيه للانتصار على الدّوام؛ لتستمرّ الحياة، والأكثر إحسانا من يعلم أنّ ليس كلّ تنازل ضعف وتسليم بواقع؛ بل إكرام وحُسن رَويّة، ويعلم جيّدًا كيف يردّ الإحسان بالإحسان. وأنْ تُرزقَ امرأة تحبّك مخلصة لك؛ وُهبتَ جنّة!، تكتفي بِها، تأثرها دون العالم بأشدّ لحظاتك ضعفا وفرحا، تستجمع بِها شتات قلبك، وتعلم أنّها لنْ تخذلك.
 
في النّفس لها شأنٌ، لها عظمتها وحرمتها، لها بهاءٌ وسحر، تجود بالغالي والنّفيس إذا ما مسّها سوء. النّفس تَتوقْ إليها والرّوح تشتاقها، ولو كنت في حضرتها. جميلةٌ أنتِ، تشبهين القدس كثيرا في طُهرها، اثنينكما تلفظان الدّنَس، ولا يقربكما إلّا من آذنتما له بذلك، إلّا من أردتما أن تُلقيا عليه محبّتكما. جميلةٌ أنتِ في عيني، للحدّ الذّي تغار منكِ السّماء

 

تصميم و تطوير