أ. د. كميل موسى فرام : المسؤول المثالي

{title}
أخبار دقيقة -

الاستفادة من تجارب الآخرين، حكمة لا يجيدها إلا المتميزون بسلوكهم وطموحاتم، الذين يخططون لمستقبل يليق بمؤهلاتهم بعيدا عن استخدامات مبررات الفشل والتشكيك كمسكن للألم الذي يعصف بضمائرهم، فعظماء التاريخ تركوا بصماتهم كنتيجة لتجاربهم التي بنوا عليها بخلايا التفكير وما زلنا نخلدهم حتى يومنا، نستفيد منهم حتى بتجاربهم الفاشلة التي تشكل ركنا وعنوانا مهما حتى بأمثالنا التي نعتمدها عند القول والفعل، نحتاج أحيانا اقتباساً منها ليكون قاعدة السلوك الصحيح، ويمكنني الاعتراف اليوم بأنني أدين بجزء يسير من نجاحاتي لهذه السياسة التي استطعت تطبيقها بالدرجة المتوقعة وأعطت النتيجة المأمولة، فتصنيف انجازاتي عبر نصف قرن من الزمن، اعتمد على الكثير من تجارب الآخرين حتى بالتجارب التي اخفقت فيها، والتي شكلت دافعا قويا لمزيد من العمل والبناء، بل أن أجندتي المستقبلية زاخرة بطموحات تصنف برسم التحقيق.

من الشخصيات العالمية التي فرضت حضورها الآن كنتيجة لعملها والتي أراها مدرسة للتعليم والاستفادة، شخصية المدرب العالمي كارلو أنشيلوتي، مدرب كرة القدم لنادي ريال مدريد الذي تمت تسميته باستحقاق كنادي القرن بسبب انجازاته الكرويه، يعطي لكل مباراة يخوضها فريقه تقييما مختلفا وخطة مختلفة، لديه من الخطط البديلة الجاهزة التي تنفض غبار الخوف عن المستقبل القريب والبعيد، لا يبرر الإخفاق والخسارة حتى بتدخل العنصر البشري العفوي أو المبرمج أحيانا، حيث الاشاعات التي ترافق سلوكيات التحكم بجميع المرافق الحياتية، فلا وجود فعلي للمسافة الواحدة في تجارب حياتنا التي تبدأ منذ لحظات الولادة حتى مرحلة الكهولة، لأن العدل والعدالة مصطلح نسبي فيه الكثير التجاوزات والعديد من التفسيرات، ويخضع للاجتهادات حسب الموقف.

يعجبني بهذا المدرب أنه يرفض تفسير الاخفاق باستخدام شماعة المبررات، بل يعترف بالأداء الضعيف إن وجد وبقوة الخصم عندما يكون الواقع، يستطيع تغيير خططه لكل مباراة حسب ظروفها وظروف اللاعبين الجاهزين لشغل أكثر من مركز، لا ينسب الفوز أو الخسارة لمجهود فرد بحضوره أو أدائه، بل يعتبر الأداء الجماعي مفتاح النتيجة، لا يأخذ في الحسبان قيمة اللاعب السوقية أو شعبيته بين جماهير الحضور ولا يبحث عن شعبوية مصطنعة بل جاهزيته للأداء المشرف بهدف تحقيق الفوز (الكرة جوال)، لديه من البدائل الجاهزة للعب بكل المراكز حتى اللاعب الواحد الذي يمكنه اللعب بأكثر من مركز داخل المستطيل الأخضر، لا يجامل، يعطي الفرصة للجميع بالوقت المناسب، لديه القدرة على استنباط أحداث المباراة، فيطعّم الفريق بالعنصر الشبابي بدهاء لزيادة التناسق والانسجام بين الأجيال، يفرض طابع الحيرة على الفريق المناسب بسبب صعوبة التكهن بخطته المتغيرة للمباريات، يمتص أخطاء التحكيم بطريقة تفرض الاحترام، يستهلك كمية كبيرة من العلكة أثناء المباريات للسيطرة على فاصل العصبية والزعل والتلفظ، فأحداث أي مباراة تتغير عبر أشواطها، بملاحظة مهمة لاستبسال الفرق المصنفة بالضعيفة أمام الفرق الكبيرة برهانات قد تتسبب بالفوز، ولكنه في النهاية اختصر الحكاية وحسمها بقول مشهور: المهم الفوز واسعاد الجماهير، فالتاريخ واحصائيات الفوز لن تسجل الفريق الذي لعب بمتعة وصاحب أعذار بل الفريق الفائز بالمباراة.

هذا هو واقعنا بجميع مناحي حياتنا ويجب أن تشكل مسيرة هذا المدرب مادة مؤثرة للتحليل والتدريس والتطبيق، لكشف أسرار ضبط ايقاعه لسيمفونية الأداء الجماعي والمحافظة على النتائج والنهوض، والتي تصلح لأن تكون برنامجا لجميع مؤسسات الدولة التي تنفذ بالفعل وبعيدا عن سياسات التنفيع والحرج، لا يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه، فهناك خطة وخارطة طريق قيد التنفيذ، لا تحتمل الاجتهاد أو الفزعة، يتحمل مسؤولية الاخفاق ببعض محطاتها ويتعلم منها لتفادي التكرار، فلا ضمان للنتيجة ولا مجال للتساهل، فدكة البدلاء زاخرة بالنجوم وهي المنتج الأول للعباقرة والنجوم، والمؤسسية تفرض بوضوح السياسة وتزيد من رصيد الانتماء، الجميع يحترم النظام والقرارات حتى نجوم الصف الأول، يقابلهم دائما أثناء قمة الغضب بابتسامة وعناق، لا تثيره الخسارة.

كرة القدم وتفاصيل المربع الأخضر عبارة عن أيقونة مثالية فيها العبرة لرسم سياسة وخطة قابلة للتطبيق بجميع مؤسسات الدولة التي تسعى للنجاح وترسيخ مبادئ العطاء بهدف التقدم ومواكبة الجديد، تحتضن الأقوياء والضعفاء، قادرة على فلترة اللاعبين ويصعب التكهن بنتائجها قبل صافرة النهاية، ازدحام رأس المال لا يضمن النجاح على أن تحلل النتائج لدراسة الأخطاء وتفاديها، دون حشوة الامكانات المادية كضرورة وليس سبباً. المسؤول المثالي هو القادر على التحديث والابتكار ضمن المتوافر من أدوات وأفراد، بعيدا عن المجاملات التي تجعله يدور بدائرة فارغة يبحث عن بداياتها دون نتيجة، بل يجعل من ذاته مادة يناقشها الآخرون والمنافسون دون الوصول لأسرار، فيكون شاغلهم وهو يتقدم بثبات.. وللحديث بقية. 

تصميم و تطوير