د.ماجد الخواجا : التعسّف في التصنيف
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن الفائت، ظهرت دعوات تحذر مما سمّي بالمد الإسلامي والرايات الخضراء، وبرزت بعض الكتب التي زعمت بأن الإسلام يشكّل تهديدًا أو خطرًا على الغرب، وأنه يمثل تحديًا للقيم والمثل الغربية، ودار حديث واسع حينها عما تم زعمه بصدام أو صراع الحضارات، ونهاية التاريخ، وهوس النهايات مع نهاية الألفية الثانية، وجاءت حادثة ضرب البرجين في نيويورك في الحادي عشر من أيلول لعام 2001، لتبدأ أكبر حملة عدائية موجهة للإسلام والمسلمين وتحميلهم أخطار التطرّف والإرهاب، وتم تداول مصطلحات من قبيل عالم الأشرار أو المتوحشين أو الإرهابيين وربط تلك المصطلحات بالدين الإسلامي والمتدينين منه.
مع التطور الهائل لوسائل الإعلام والتكنولوجيا الرقمية، فقد ساعد ذلك على نشر الكراهية والنبذ وتبادل الرسائل التي تكتظ بالمحتوى العدائي، وصولاً إلى محاولات الحط من شأن الإسلام والسخرية من الرسول الكريم عبر نشر صور وكاريكاتيرات مسيئة أو من قبيل قيام بعض الأفراد والجهات الداعمة بحرق الكتاب الإسلامي المقدّس وهو القرآن الكريم، أو بالاعتداء المباشر على أفراد مسلمين في تلك الدول والمجتمعات.
لم تنحصر الاستفادة والاستغلال للتطور الرقمي على جهات محددة، بل أصبح بإمكان الجميع التعامل مع وسائل الاتصال الرقمية بيسرٍ ومن أي مكان وفي أي وقت ولأية جهة كانت، هنا ظهر الاستخدام الخطير والفعّال لتلك التكنولوجيا الرقمية من قبل التنظيمات والأفراد المتطرفين دينياً، إلى أن شاهدنا حجم الاستغلال الكبير لتنظيم « داعش» عندما بدأ بنشر لقطات غاية في الفظاعة والتي بدأها بتصوير احترافي لمشهد قتل الشهيد الطيار الأردني « معاذ الكساسبة» فكانت لقطات تشبه ما تبثّه أعرق الوسائل السينمائية باحترافية منقطعة النظير، وتوالت المشاهد التي هدفها الرئيس زرع الرعب والذعر في وجدان المتلقي، إضافة للاستفادة من الشبكة العنكبوتية في الاستقطاب وتوزيع المهام والتأثير على الجموع وغيرها من الاستخدامات التي لم تكن متاحةً كماً أو نوعاً قبلها.
لقد ساهم الإعلام الرقمي في زيادة منسوب خطابات الكراهية وزيادة بث الأخبار الكاذبة والإشاعات والتضليل الإعلامي، لكنه أيضاً وبذات القدر ساهم في نشر الوعي والتبادل للمعلومات والتصحيح لها، مما أعاد للإعلام الرقمي شيئاً من الاتزان والتوازن.
لقد استخدم الطرفان ذات التوصيف والتصنيف للآخر، حيث اقتسما العالم ضمن فسطاطين، فسطاط ومحور الخير، وفسطاط أو محور الشر. وهو أسلوب تم اتباعه في كثيرٍ من المفاصل التاريخية، ما بين الدول العظمى كمثال حلفي وارسو والأطلنطي، فريقا الحربين العالميتين الأولى والثانية، العرق الآري النقي مقابل الأعراق البشرية الأقل مرتبة ونقاء، السامية ومعاداة السامية، حتى وصلنا إلى السابع من اكتوبر عندما استغل الكيان الصهيوني الواقعة بطريقة قذرة، بأن تم توصيف كل من يقف مع الكيان على أنهم الأخيار الأطهار الأنقياء، فيما كان الوصف للآخرين بأنهم معسكر الشر والإرهاب ودعم التطرّف.
كثيرة تلك المؤلفات التي نحتها كتّاب يتبنون فكرة الأبيض والأسود، محور الخير ومحور الشر، الرايات الحرة والرايات المستعبدة. ولا ننسى ما كتبه هنتنجتون وغيره عن صراع الحضارات وتصادمها، عن العملاق الصيني الأصفر والعملاق الإسلامي الأخضر. كأنه كتب على البشرية ضرورة استمرار مثل هذه التصنيفات التي يتم استغلالها أبشع استغلال في التعميم الأعمى على المجتمعات وعلى البشر فيها ووسمهم بسمات تأخذ شكلا وراثياً وتصبح نوعاً من البدهيات والمسلمات بحيث يتم الاستناد إليها عند التعامل مع تلك المجتمعات وأفرادها.
يا لهذه البشرية المعذّبة، كم ستحتمل من تصنيفات وتنميطات تجعلها في مهب ريح العداء والخصومة الدائمة