المنطقة والحرب المنسية

{title}
أخبار دقيقة - كتب - عمر عليمات 

في الوقت الذي تنصب فيه جهود المجتمع الدولي ودول المنطقة على تجنب نشوب حرب شاملة في الإقليم، كون الجميع مدرك أن منطقتنا لا تحتمل حرباً واسعة قد تنتقل شرارتها إلى مختلف أرجاء العالم، هناك حرب أخرى منسية رغم أن آثارها المستقبلية قد تكون أكثر تدميراً وتحمل في طياتها آثاراً بعيدة المدى على دول وشعوب المنطقة، وهي حرب الاستنزاف.

المنطقة ومنذ سنوات طويلة وهي تقف على الحافة، وتعاني أوضاعاً اقتصادية واجتماعية جعلت منها برميل بارود لا أحد يعرف متى وأين ستكون شرارة انفجاره، ورغم ذلك إلا أن دول المنطقة بالمجمل كانت تحاول إدارة هذه الأوضاع والتعامل معها قدر الإمكان، ولكن ما حدث خلال السنة الماضية منذ نشوب حرب غزة حَوَّل الاهتمام الرئيسي نحو التعامل مع الحرب والتركيز على منع توسعها وتحولها إلى حرب شاملة، مما أدى إلى نشوء وتفاقم نوع آخر من الحرب، وهو الحرب البطيئة والمستمرة التي عطلت التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها دول المنطقة.

ما يجري اليوم هو استهلاك تدريجي لمقدرات الدول وتعميق لأزماتها الداخلية، فاستمرار الحال على ما هو عليه بين إسرائيل وإيران وحرب النفوذ دون الصدام المباشر، وبين التزام العالم بأمن إسرائيل دون الالتفات لحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم والعيش بكرامة، كل ذلك سيؤدي إلى إغراق دول المنطقة في مشاكل لا نهاية لها، تستنزف فيها الموارد وتسرع من عملية ضغط برميل البارود المحتقن أساساً، فالحديث عن التنمية وفرص العمل ومكافحة الفقر أصبح من القضايا المنسية في ظل التركيز على الحرب الشاملة والعمل على منع نشوبها.

لا أحد ينكر أن الحرب الشاملة ستطيح بالمنطقة برمتها، ومنع نشوبها أولوية قصوى، ولكن بالمقابل فإن عدم قدرة المجتمع الدولي على حسم الأمور أو عدم رغبته في ذلك، ما هو إلا تأجيل للحظة الانفجار، فحرب استنزاف المنطقة ستزيد من الضغوط على الحكومات وتصاعد الغضب الشعبي وتفاقم الأزمات الاجتماعية، ومع مرور الوقت، قد تأتي شرارة الحرب وإشعال المنطقة من مكان لا أحد يتوقعه ودون الحاجة إلى حرب شاملة.

ما يجري اليوم هو تأزيم لكافة تحديات المنطقة، وتعزيز لأدوات التفكك داخل المجتمعات، وتضخيم للمشاكل المعيشية وقتل بطيء لكل استراتيجيات التنمية الاقتصادية، فمنطقتنا من حيث المبدأ تعاني وضعاً اقتصادياً متدهوراً، وحرب الاستنزاف الجارية سيكون لها تداعيات طويلة ومعقدة لا ينفع معها قرارات لمجلس الأمن أو إرسال جيوش جرارة للمنطقة لحمايتها من الاشتعال.

ما تحتاجه المنطقة حالياً ليس التركيز على تجنب الحرب الشاملة فقط بل وضع استراتيجية شاملة لإنهاء الصراع وعدم ترك الأمور كما هي عليه ومواصلة حلقات التوتر والتصعيد المتتالية، ودون ذلك ستظل المنطقة عالقة في دوامة لا نهاية لها من الصراعات، التي قد تنتهي بانهيار شامل وليس بسلام دائم.

باختصار، على العالم أن يدرك أن لعبة إسرائيل لإدامة الصراع، ولعبة إيران للحصول على مناطق نفوذ جديدة سيؤدي إلى نتائج كارثية على المدى الطويل، فالحرب الشاملة إن وقعت ليست سوى نتيجة واحدة من نتائج الصراع، ولا سبيل للخروج من هذا المسلسل المستمر منذ سبعة عقود إلا بقناعة يتبناها المجتمع الدولي لحل جذور الصراع وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، فالصراع ليس صراع مصالح بل صراع من أجل حصول شعب على حق تقرير مصيره، ودون ذلك ستبقى حرب الاستنزاف قائمة وانفجار المنطقة أمر حتمي وإن تأخر.

تصميم و تطوير