نهاية الديبلوماسية .. د. ماجد الخواجا

{title}
أخبار دقيقة -
في ظل تحولات العالم الجذرية والتي وصلت إلى أردأ حالاتها من الإسفاف والرعونة لا بل والوقاحة الفائضة عن توصيف أية موبقات، فلم يعهد العالم رداءة في الخطاب السياسي والفكري والاقتصادي كما هو حاله الآن، ومنذ بروز نجم وعهد « ترامب» عام 2016، بدأت لغة صفيقة مبتذلة تخاطب الغرائز والشعبويات بطرق غير مسبوقة، والتي توجت مع الانتخابات الأمريكية عام 2020، عندما حاول ترامب استثمار وسائل التواصل وخاصة تويتر في بث رسائل متواصلة من الكراهية ومن الإتهامات الغريبة ومن التمجيد للذات، مع فرض سطوة مباشرة على كافة وسائل الإعلام وتهديد من يقدم خطاباً إعلامياً ناقداً أو معارضاً لترامب وتبجحه. حتى شهدنا لأول مرّةٍ حجب الخدمة والوصول إلى مواقع التواصل عن رئيس دولة وحظر دخوله أو تفاعله وإغلاق صفحاته الشخصية عليها. لغة لم نعتد على سماعها من قبل من يفترض أنه رئيس اكبر وأقوى دولة في العالم. حيث سمعناه وهو يهدد الدول والرؤساء طالباً منهم حسب زعمه ثمن حمايته لهم، لا بل كانت ألفاظه وإيحاءاته مكتظة بالسخرية والمسخرة التي لا تليق بمكانة أي شخص له اعتبارية فكيف حين يكون الرئيس الأمريكي.

لقد شاهدنا كيف كان يستخدم ألفاظاً قبيحة بحق خصومه، حتى أنه كان يعايرهم في بعض صفاتهم الجسدية وسماتهم النفسية بما يتنافى والذوق العام والقيم الأخلاقية الإنسانية.

لم تنج المنطقة العربية من الرعونة الترامبية التي كادت أن يفرض عليها ما سمي حينها «صفقة القرن» وكادت القضية الفلسطينية أن تطوى على الأقل مرحلياً عبر حلول ترامبية غرائبية تمثلت في انطلاقه من منطق القوة والمال، فما لا تحله المفاوضات لا تحله الحروب، لكن بمنطق ترامب يمكن حلّه بالمال. وحتى هذا المال فهو من جيوب وموارد المنطقة العربية، مع احتساب العمولات والفوائض والاستثمارات المفروضة على الدول العربية الغنية بأن تقوم بتمويل مشاريع كبرى وتعويضات أكبر في سبيل تحقيق رهانات ترامب الرعناء.

ومع مجيء بايدن لم يكن حال المنطقة العربية بأفضل مما كانت عليه في عهد ترامب، خاصةً بعد إعلان الحرب الروسية الأوكرانية التي استغلها بايدن لإشغال وإشعال أوروبا في حرب بالوكالة تكون أوكرانيا في واجهتها وضحيتها الأولى.
وما أن جاء السابع من أكتوبر للعام 2023، حتى شاهد العالم بأسره كيف تداعت أمريكا ودول أوروبا الغربية لدعم ومساندة غير محدودة وغير مسبوقة للكيان الصهيوني وتقديم أعتى ما وصلت إليه آلة الحرب العسكرية والإمدادات عبر سلاسل لا تنتهي من الدعم المباشر.

وصولاً إلى وقوف نتنياهو أمام مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي الذي أفاض كذباً وروايات مختلقة وألاعيب، لكنه حظي بتصفيق متكرر ونادر من الأعضاء الحضور من المجلسين، بما يؤكد أن الولايات المتحدة تتبنى وجهة النظر للكيان الصهيوني بشكل أعمى وتنساق خلف سردياته وأكاذيبه ورواياته التي لا تنتهي بادعاء المظلومية والتحشيد ضد قوى ودول بعينها بذريعة أنها داعمة للإرهاب، هذه الكلمة التي تلوكها ألسنة كل الأفاقين من أجل تبرير الفظائع المرتكبة والجرائم الوحشية التي يتم اقترافها يومياً بحق الشعب الفلسطيني، فأن تصل الوقاحة عند نتنياهو بأن جيشه لم يقتل مدنياً واحداً، مع ترداد جملة معاداة السامية وربطها بالوقوف الأعمى خلف سرديات الصهيوني أو بالإدانة لمجرد إعلان التضامن مع الأطفال والضحايا ورفض التدمير والقتل العشوائي النازف في غزّة.. متغافلاً عن عشرات الآلاف من الشهداء من الأطفال وكبار السّن والمدنيين العزّل وحتى الهاربين من منطقةٍ لمنطقةٍ أخرى، واستهداف الأطباء والمسعفين.

مع ذلك فالصورة تعيد تشكيل شيء من الأمل عندما نشاهد 150 نائباً وسيناتوراً أمريكياً يرفضون الحضور والاستماع لهرطقات وموبقات نتنياهو، عندما نشاهد عشرات بل مئات الآلاف من الأمريكيين الشباب يخرجون قرب البيت الأبيض والكونغرس ووسط المدن الكبرى إضافة لطلبة الجامعات العريقة، هذا يدلل على أن الإنسانية تنحاز للحق والحقيقة مهما تطاول عليها أراجوزات السياسة الصهاينة.
د. ماجد الخواجا
تصميم و تطوير