وجع السؤال في الزرقاء والرصيفة

{title}
أخبار دقيقة - كتب _ماجد الخواجا 
حظيت بزيارتين للزرقاء والرصيفة في واجبي عزاء خلال هذا الأسبوع، والزرقاء كمدينة تحمل وجعاً وأرقاً ممتداً في كونها تقع على حواف الصحراء القاسية، وفي كثافة عديد قاطنيها حيث إنها تتبوأ المرتبة الثالثة في عديد السكان بعد العاصمة عمان وإربد، لقد بلغ عدد سكان المملكة حسب بيانات دائرة الاحصاءات العامة للعام 2023 نحو 11,057مليون نسمة. حيث تضاعف عدد سكان المملكة نحو 21 مرة خلال سبعين عاما، إذ كان عدد سكان المملكة عام 1952 بالضفتين نحو 586,2 الف نسمة. يسكن نحو 42 % من سكان المملكة في محافظة العاصمة عمان وبعديد يتجاوز 4,834 مليون نسمة، فيما تأتي محافظة إربد في المرتبة الثانية وبنسبة 18,5% من سكان المملكة وبعديد يتجاوز نحو 2,135 مليون نسمة، بينما تأتي الزرقاء في المرتبة الثالثة وبنسبة 14,3% وبعديد نحو 1,646 مليون نسمة.

تعطينا قراءة الأرقام السابقة درجة التطور الكبير في عديد السكان وفي تركزّه في المدن الرئيسة الثلاث. فهناك 86% من السكان في المدن الثلاث، لكن للزرقاء معاناتها الخاصة بها، فهي مدينة بدأت تتشكل بصورةٍ عشوائية وبسرعةٍ قياسية، بما يكفي لتواجد تجمعات سكانية عشوائية وبالحد الأدنى من الخدمات والبيئة الصديقة، بل وزد على ذلك التجريف البيئي الجائر الذي فاقم حجم الفاقد الحياتي الملائم.

عودة لبعض الملاحظات التي شاهدتها بعين الوجع في الرصيفة والزرقاء، كان العزاء الأول في حي الحسين وحي العراتفة بالرصيفة، تجمعات بشرية وأبنية متلاصقة زرعت فجأة وداهمت الحاجة لمأوى، تجمعات مكتظة بلا مرافق أو ساحات أو ملاعب أو حدائق أو شوارع مناسبة ناهيك عن الأرصفة، تجمعات لا يوجد لها أية خدمات إنسانية تعينهم على شظف العيش الواضح في الوجوه البائسة الكئيبة وفي تزاحم الأقدام والأجساد، كان بيت العزاء عبارة عن صيوان متواضع يحتل وسط الشارع ويغلقه تماماً والذي سيستمر طيلة أيام العزاء الثلاثة، حين سألت أهل المتوفى، كيف تنصبون بيت العزاء وسط الشارع؟ أجابني أحدهم قائلاً: نحن اعتدنا على ذلك لأنه لا خيار ولا بديل لدينا، فقط يتم طلب الإذن من الجيران لإقامة الصيوان. سألته: ألا توجد قاعة خيرية للبلدية يمكن استخدامها لمثل هذه المناسبات، نظر إلي مبتسماً وهو يقول: لا يوجد لدينا أية مقومات أو خدمات أو مرافق، فقط يوجد الإنسان هكذا نبتة في صحراء. حين سرت في شوارع الأحياء، كانت من الضيق ووجود المركبات التي يضطر أصحابها لاحتلال مسرب من الشارع، فلا يبقى غير مسرب واحد لا يكفي لمرور مركبتين متجاورتين. أما النظافة فهي قصة موجعة أيضاً. الحقيقة أن أحياء الرصيفة تحتاج لثورة بيئية بالكامل.

وفي الطريق إلى الزرقاء، فقد أبهجني جودة الطريق ومساربه الواسعة مع مسار الباص السريع، وحجم الأنفاق والجسور ومحطات التوقف التي أضفت جمالاً على طول الطريق ما بين عمان والزرقاء. ولكن! هناك بدايات غير مشجعة لتراكم الأوساخ خاصة في مسار الباص السريع في الزرقاء، وربما السبب يعود لعدم دخول تلك المسافة إلى الخدمة حتى الآن، لكن هذا لا يمنع من الاعتناء بالنظافة لمسار الباص السريع وإن لم يتم تفعيل الخدمة عليه، كما لاحظت أن الأفراد وخاصةً الشباب واليافعين لم تصلهم ثقافة عدم قطع الشارع إلا من الأماكن المخصصة، حيث كانوا يقطعون الشارع الممتد على مسارات عديدة ومع حواجز خاصة بمسار الباص السريع، فتجدههم يقفزون بتهور ويهرولون بين المركبات.

وفي الزرقاء حين مررت بالغويرية، داهمني تساؤل: كيف يمكن تنظيم مثل هذه الأحياء، هناك حيث تختلط الأجساد بالمركبات بالبسطات وباحتلال ما يدعى مجازاً بالأرصفة، لقد شاهدت على الرصيف مرجيحة كبيرة يؤجرها صاحبها لمن يرغب، شاهدت جميع أصناف السلع الغذائية والمنزلية والترفيهية للكبار وللأطفال تملأ الشوارع والأرصفة. هو حديث عابر لمدينة موغلة في الوطن.

الزرقاء نمت فجأة كمدينة، لكنها حملت وجعاً مزمناً منذ كانت ..

تصميم و تطوير