حسين الرواشدة : كيف نتعامل مع ملف «التكاثر» السكاني في بلدنا؟
أخبار دقيقة -
خلال عشرين عاما، فقط، تضاعف عدد سكان الأردن مرتين، كنا في عام 2004 نحو 5,5 مليون، ثم أصبحنا هذا العام (2024 ) 11,6 مليون، لقد تصاعد الترند السكاني من نحو ربع مليون عند تأسيس الدولة، إلى نحو مليون قبل 60 عاما ( 1963)، ثم بدأنا نقفز منذ بداية الألفية الثانية وحتى الآن، الأردنيون يشكلون أقل من 60% من مجموع السكان، فيما يعيش بيننا أكثر من 3,8 مليون لاجىء، يحملون 53 جنسية، أغلبيتهم من الفلسطينيين والسوريين، ناهيك عن المقيمين، خاصة من العمال الوافدين.
ما حدث قد يبدو مفهوما في سياق الهجرات المتتالية، وارتفاع معدلات الإنجاب، وتسارع حركة اللجوء التي تعرض لها بلدنا، وضرائب الجغرافيا والاستحقاقات التاريخية والسياسية التي ندفع أثمانها، لكن غير المفهوم هو طريقة تعاملنا مع هذا الملف في أبعاده وتداعياته المختلفة، ابتداء من سرديات التاريخ، إلى تشكيل خرائط الديموغرافيا، إلى ترسيم علاقة الدولة مع المواطنين والسكان، فيما يتعلق بالتنمية والخدمات، وما يصدر من تشريعات أو قرارات، ثم ما يُطبق منها، كل هذه الملفات وغيرها أصبحت بحاجة إلى قراءة وطنية عميقة، تتناسب مع معادلة المصالح الوطنية العليا من جهة، ومع استشراف مخاضات المرحلة القادمة، بما تحمله من استحقاقات ومخاطر.
لا يسمح المجال لكي أدخل بالتفاصيل، يكفي أن أشير، فقط، إلى أن العاصمة عمان تستحوذ على نحو 42% من عدد السكان، فيما يتواجد في ثلاث محافظات (عمان وإربد والزرقاء) أكثر من 75% من السكان، ولا يتجاوز عدد الذين يقطنون في المحافظات الأربعة جنوب المملكة حدود الـ 8 % فقط، هذه الأرقام، بالطبع، ليست صماء، فهي تعكس شبكة واسعة من المدلولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يمكن أن ندقق في خرائط التنمية والتعليم، ومعدلات البطالة والفقر وفرص العمل، لنكتشف عمق ما جرى من تحولات في مجتمعنا، وما تعكسه هذه الأرقام في الواقع من تساؤلات ما زالت معلقة بلا إجابات، سواء على صعيد المشاركة بالعمل العام، او تراجع منسوب الثقة ودرجة الرضا العام، أو قضايا الانتماء والهوية..وغيرها.
أشير، أيضا، إلى أن ملف اللجوء في بلدنا لم يحظ بما يستحقه من دراسة واهتمام، خذ، مثلا، الكلفة الاقتصادية وتداعياتها على حياة الأردنيين ومعيشتهم، يتحمل الأردن نحو 3,4 مليار دولار سنويا كفاتورة للجوء السوري، يسهم المجتمع الدولي بـ 25 % منها، وقد توقفت هذه المساهمات نسبيا منذ أعوام، خذ، أيضا، الكلفة الاجتماعية والأمنية، حيث دلت الإحصائيات الرسمية لهذا العام عن ارتفاع غير مسبوق في معدلات بعض الجرائم (المخدرات، التزييف، العنف الأسري، البغاء) التي ارتكبها أجانب مقيمون بالأردن (لاجئون أو زوار )، خذ، ثالثا، الكلفة السياسية، وهي الأخطر، حيث يمكن أن يشكل ملف اللجوء كتلا ذات طابع اجتماعي او سياسي، لها مشروعها الخاص، ثم تتقمص أدوارا خارج المصالح الأردنية. أشير، ثالثا، إلى هوامش معادلة السكان والمواطنين؛ سؤال الهوية الأردنية الوطنية، مثلا، ما زال قيد النقاش العام، سؤال التهجير والترانسفير الذي استنفرنا في الشهور التسعة المنصرفة ما زال معلقا بانتظار نهاية الحرب، سؤال التعليم والعمل وتوزيع مكتسبات التنمية، وترسيم حدود «رأس المال الوطني» وتفصيل التشريعات على مقاس التشكيلة الديمغرافية، سؤال ترتيب الأولويات الوطنية (الاستدارات للداخل الأردني ) ومخاطر تقمص القضايا العابرة للحدود، خاصة ونحن أمام تحديث سياسي وتجربة أحزاب جديدة.. الخ.
كل هذه الأسئلة، وغيرها مما يطفو على السطح، أو ما زال مسكوتا عنه، خاصة بعد الحرب على غزة، يحتاج إلى نقاش وطني عام، لابد أن ينتهي إلى حزمة من التوافقات التي من شأنها أن تطمئن الأردنيين على حاضرهم ومستقبلهم، أقصد على بلدهم / الأردن، كيف سيكون بعد 10 سنوات مثلا؟ كما هو عليه الآن، أم أفضل، وربما أكبر أيضاً؟