رمضان أطل وبهلاله أهلّ

{title}
أخبار دقيقة - لست عاطفياً إلى الحد الذي يجعلني أبالغ في تقييم الأشياء، فهذا رمضان يعود كما هو الحال في كل سنةٍ شهراً كاملاً من أصل 12 شهر، أي أن الإنسان يقضي 8.5% من عمره في صيام رمضاني. وهي نسبة ليست بالقليلة كي نبقى كلّ مرّةٍ نكرر ذات اللهفة والشغف والانتظار الجميل لقدوم الشهر، لكن الحقيقة أننا في كلّ مرّةٍ نعيد اكتشاف أنفسنا ونجددها ربما كي نرمم شيئاً من النفس وإعادة صيانتها بما يكفي لمواصلة الحياة. اعتدنا مع تكرار الحياة لبعض المفاصل فيها ومنها شهر رمضان أن تكون هناك ممارسات وأفعال وأقوال وأشياء تكاد تلتصق بالشهر كأنها جزء عضوي منه. فهناك المسلسلات التي تدعى بالرمضانية، والتي أصبحت مع تطور الفضائيات مجالاً ومورداً اقتصادياً كبيراً، بل لقد أصبح هناك استغلال سياسي واجتماعي من اجل تقديم وجبات إعلامية برسائل لا يمكن قبولها أو مشاهدتها في غير شهر رمضان. هناك إعادة صياغة للتوقيتات اليومية، حيث فترة الإفطار وفترة السحور، هذه تأخذ شكلاً لا مثيل له في غير شهر رمضان. هناك ازدحامات خاصة يتسم بها يوم رمضان، قبل الإفطار حيث تتزاحم الأقدام وتتراحم النفوس في سبيل شراء بعض السلع المرتبطة برمضان مع أنها أصبحت متوفرة طيلة العام، إلا أن لها مكانة ومذاق خاصين في رمضان، الفجل والبصل الأخضر والمخللات والنعنع والقطائف وعصير التمر هندي والخبز الفرنسي المنفوش وفتّة الحمص وشوربة الدجاج والتمور وغيرها تأخذ مسميات تربطها برمضان. هناك عديد من الممارسات المرتبطة كطقوس رمضانية ومنها اجتماع العائلة كلها على الإطار الرمضاني، الإكثار من الدعوات للإفطار بين الأقارب والجيران والأصدقاء والمعارف. هناك زينة رمضان وفوانيس رمضان، وهلال رمضان. هناك ما تدعى بالأمسيات أو السهرات الرمضانية التي مع تكرارها أخذت شكلاً خاصاً بها وإن كان الانتقاد إلى درجة الرفض لتلك الممارسات، أمسيات تمتد إلى السحور في المقاهي وقاعات الفنادق تنتشر فيها الحلويات الرمضانية ويكون محورها جلسات « الأراجيل». هناك ما تدعى بالخيم الرمضانية، وهي التي يتم استحداثها في رمضان من أجل تقديم الإفطار المجاني الخيري للصائمين دون تحديد أو تمييز. هناك برامج تدعى بالمسابقات ويتم بثها عبر الفضائيات إما مسجلة أو مباشرة، وفيها يتم توزيع جوائز تتراوح ما بين الثمينة والبسيطة. هناك رامز وعماد الفراجين اللذان يعيدان إنتاج ما يسمى بالمحتوى المميز لكلً منهما، يحصدان ملايين المتابعين، ويحصدان عشرات الآلاف من المنتقدين قبل وأثناء وبعد انتهاء رمضان. هناك قنوات فضائية تستعد طيلة العام لرمضان بأن تبث فيضان من المسلسلات والبرامج واللقاءات والطبخات والنكات، من اجل حصد الملايين من الدولارات. وهناك من يشدّ مئزره ويعتزل كل ما سبق، باحثاً عن صفاءروحي وعبادة خالصة نقية لا يشوبها شائبة. في كل رمضان تعاد ذات الأسئلة عن المفطرات، يكون أشخاص يريدون تفصيل النهار الرمضاني كما يحلو لأمزجتهم، منهم من لا يقوم بأداء عمله ولا يريد لأحدٍ أن يتحدث معه بذريعة أنه « صائم» ناهيك إذا اقترن صيامه بحرمانه من التدخين، هنا تكون الطامة الكبرى قد وقعت. ولا أدري من ربط جملة « اللهم إني صائم» من أجل تبرير العصبية والنزق والتوتر عند الصائم. «لا تحكي معي أنا صايم، لا تطلعني عن صيامي، بدي ألحق الإفطار، ما عندي وقت، خليها لبعد رمضان». هناك من لا يريد احتمال الوقوف في أية طوابير انتظار، فنسمع عن مشاجرات ومشاحنات عند شراء العصير والقطائف والخبز. هناك من يأخذ إجازة طيلة الشهر بذريعة أنه لا يريد لأحدٍ تعكير صفو صيامه، هناك من يسهر حتى آذان الفجر، ثم ينام حتى آذان المغرب، هناك من يشحذ همته وتصفو سريرته ويشتد عزمه. هذا هو رمضان بكل ما فيه، وهذا أجمل ما فيه، اللهم تقبل منا الصيام والقيام.
تصميم و تطوير