د.ماجد الخواجا : سلاما لمانديلا ولبلاده

{title}
أخبار دقيقة -

قيل إن القضية مهما كانت عادلة فإنها تخسر عندما يتولى الدفاع عنها محام فاشل، ولم تكن قضية أكثر عدلاً ووضوحاً في الحق والحقيقة من قضية فلسطين التي لم تجد عبر عقود من الزمن محام جيد يدافع عنها في أروقة المؤسسات والهيئات الدولية المعنية.

  يقول من طالع فصول وأوراق القضية المقدمة من طرف دولة جنوب إفريقيا بحق كيان الظلم والجور والقهر التاريخي، أنها قضية تم الاعتناء بمفرداتها وموجباتها بشكل متناهي الدقة والعناية بالتفاصيل الموثّقة مع حرفية كبيرة في أسلوب العرض والطرح للقضية أمام سدنة محكمة العدل الدولية في لاهاي، قضية سهر عليها محامون يدركون معنى الظلم والعنصرية والاحتلال والتهجير القسري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، لأنهم من بلدٍ عانت واكتوت بكل هذه الآفات البشرية التي استبدت في كثير من الشعوب وخاصة جنوب إفريقيا وناميبيا التي لم تشهد دولة في العالم ما شهدته من تمييز عنصري وتطهير عرقي. قضية نحتها وجع تاريخي لدولة لم تعرف العدل إلا منذ سنوات قريبة بعد أن أقرّ العالم بالظلم الواقع على شعوبها، ومنحها حق تقرير مصيرها، فكان الانحياز لإرادة الشعوب التي تشكلت عبر تاريخ من القمع والقهر الأوروبي ضد اللون الأسود واعتباره أقل مرتبة من اللون الأبيض. ربما لم تكن من دولةٍ أقدر وأحق من جنوب إفريقيا برفع القضية ضد الكيان الصهيوني، لأنه شعب عانى صنوف الظلم والتعسّف، وهو ليس طرفاً في الصراع والاضطهاد الواقع بين الفلسطيني والصهيوني الغاصب. إن المرافعة المقدمة في محكمة العدل مثّلت جوهر الحق الإنساني والانحياز للعدل بدون مصالح أو تداخل علاقات، لهذا أخذت القضية مظهراً كاملاً من النقاء والصفاء والوضوح، ولم تكن القضية الفلسطينية قد ظهرت بهذا الشكل المبهر في الظلم والجور لولا أن من تبنى الدعوى كان من الكفاءة والجدارة والمهنية الراقية بدرجة فاقت التوقعات. بصدور قرار المحكمة الإبتدائي الذي تبنى معظم ما ورد من مطالب في لائحة الدعوى باستثناء الإقرار بممارسة الكيان الصهيوني للإبادة الجماعية والتي هي جوهر القضية المرفوعة، إلا أن القرار يحمل في طيّاته اعترافاً جليّا بأن الكيان يمارس أقذر أنواع القتل والتدمير والتطهير والتهجير القسري، وأن العالم الآن يحمل في ضميره ملفات مليئة بالوثائق الدامغة التي تثبت إدانة هذا الكيان ووحشيته. كانت لفتة ذكية جداً أن تتبنى جنوب إفريقيا رفع القضية، فهي دولة لا مجال للمزاودة عليها في أية مفردات غير إنسانية، وهي أيضاً تقدمت عبر رجالها الأكفاء الذين حفظوا درسهم جيداً وترافعوا كما لو أنها أول وآخر مرافعة لهم. ربما تحتاج القضية سنوات، لكنها فتحت الباب واسعاً لإمكانية تقديم الشكاوى ورفع الثضايا بحق الدول الظالمة، كما أنها فتحت الباب لإمكانية التقدّم برفع قضايا محددة بحق أشخاص بعينهم لمحكمة الجنايات الدولية. هذه فلسطين التي ربما لم يجيد من تبنى الدفاع عنها طيلة عقود مضت تقديمها بما يليق بها وبما تستحقه، لكنها قضية مصانة بمن ينحاز للإنسانية والضمير العالمي الجمعي الذي يؤكد في أول مفرداته على حق الشعوب في تقرير مصيرها وعدم جواز الاحتلال والتطهير العرقي والتمييز العنصري. سلاماً لروح مانديلا الإنسان، سلاماً لجنوب إفريقيا وناميبيا، سلاما لكل من ينحاز للحق وللإنسانية.
تصميم و تطوير