أربيل من فوق

{title}
أخبار دقيقة - صحيح أن الحروب والأفضل المفاوضات تفرض وتوثق ترسيم الحدود، لكن ألوانها قبل الترسيم وبعده، هي ما يمكث في الأرض. تتضح الرؤية على متن طائرة، لكنها جليّة أكثر ما تكون بصور ملوّنة ملتقطة من الفضاء، بعيدا عن هواجس الأمن وأطماع السياسة، حيث لا حدود فيما تبدو كرة معلّقة بين تريليونات الشهب والنيازك والأجرام والكواكب والأقمار والشموس فيما اكتشفناه حتى الآن من فضائنا الخارجي.نشر مالك موقع اكس -تويتر سابقا- أيلون ماسك صورة فضائية دالة لحدود الكوريتين. لا حاجة لك للتدقيق لتعرف حدود الأنوار والأضواء والظلمات. خط واضح لا لبس فيه يجعل شبه الجزيرة الكورية مثالا صارخا على الفارق بين نظامي وعقيدتي حكم في سول وبيونغ يانغ، وبالتالي شعبين كانا شعبا واحدا حتى غيّرت ثقافة التخندق والجمود والعداء والكراهية من الجينات الثقافية للأجيال المقبلة، في طباع متمايزة لما صار شعبين متباعدين، لكل منهما أسلوب حياة بمعناها الأوسع والأعمق، لا مجرد إتقان مهنة كالصناعة أو التجارة على سبيل المثال فهو أكثر من رسم للحدود.حتى إعلاميا أو بالأصح دعائيا، تستمع لمذيعي نشرات «الأخبار» على جانبي المنطقة منزوعة السلاح، فترى مذيعين شمالا، يرعدون ويزبدون وكأنهم في عمليات قصف لا إلقاء أو حوار، والآخرين تحسبهم قناة أمريكية أو يابانية -أعداء الأمس- يتحدثون باللغة الكورية التي صار لها باب خاص في عدة منصات ترفيه عالمية لعرض الأفلام والفنون الكورية، كما في نيتفليكس الأمريكية وشاهد السعودية.في جزء آخر من العالم، ترى الحدود بين أصفر وأخضر أو أصفر وأزرق، في إشارة إلى مدى حسن التعامل مع مكافحة التصحر والاستثمار في قطاعي الري والزراعة. طبعا حدّث ولا حرج عن المساحات المبينة لغايات الإعمار والاستثمار لا لاتخاذها دروعا لأي حرب أيا كانت. فواجب المدافع الحقيقي قبل المقاومة حماية شعبه لا التضحية به!إن رصدت بدلا مما يصفها بعض المضللين -استطلاعات الرأي العام- عبر وسائل قياس أخرى أكثر واقعية، كوجهة المستثمرين والباحثين عن فرص الاستشفاء والاستجمام، وحتى الدراسة والإقامة والهجرة -قانونية وغير قانونية- تتضح الآراء الحقيقية للناس. تتضح عوامل الطرد والجذب الحقيقية فيما يغيظ جار «السوّ(ء) لا الرضا والهنا». لا يقبل أرباب الأسر والمدخرات والاستثمارات، المقامرة بأعز ما يملكون: الإنسان، الأسرة والمال والعقارات، وسائر مصادر الإثراء القانوني والحلال! ليخرجوا علينا بإحصاءات عن عدد «المهاجرين والأنصار» في نظام ملالي كابول أو طهران؟مثال آخر صارخ من بلاد العم سام، يتجلى بما يعرف بوادي سيليكون ولاية فيرجينيا بضواحي العاصمة واشنطن، على مقربة من مطار دالاس الدولي، حيث أيضا مهاجرين قدامى وجدد من جزء واحد من العالم -تحديدا شبه القارة الهندية- أبدعوا في تقنيات الرقمنة والصناعات الدقيقة بما فيها الأكثر حساسية أمنيا في الصناعات العسكرية. فضلا عن اختصاصات نادرة ومتقدمة في علوم الطب والصيدلة والتمريض. ناهيك عن عالم السياسة كنائب الرئيس كمالا هريس، والمرشحة الرئاسية نيكي هيلي، ومنافسها الذي خرج من السباق الجمهوري بعد تجمّع «كوكس» ولاية آيوا الانتخابي الإثنين، فيفيك «راما سواما» الملقب بأوباما الجمهوري، أو أوباما الثاني!سقت تلك الأمثلة تباعا محجما عن تفاصيل لا تذكر إلا بدراسة خاصة – وهذا ليس مقامها- لأشير إلى حقيقة استهداف نظام ملالي طهران لكل عناصر الحضارة والقوة في مشرقنا العظيم، في استعداء ليس للعرب وحدهم، بل لقوميات عدة من بينهم الكورد، ومنهم الفيليّون العراقيون، الأكراد الشيعة الذي يدعي نظام خامنئي ومن قبله خميني حماية «المظلومين والمستضعفين من قوى الاستكبار»!لم أتشرف بزيارة أربيل لا قبل 2003 ولا بعدها، لكن النمو الاقتصادي والوجه الحضاري لها مشرّف بكل المعايير كمدينة وكإقليم وكتجربة ناجحة واعدة على اللامركزية والفيدرالية في إطار الوطن الواحد والدولة الواحدة. يذكّرني استهداف ما زعموا أنه مقر أجنبي معادٍ، وتلك إن صدقت مزاعمهم مهمة بغداد لا طهران، ذكّروني بالاستهداف المتكرر عبر عقود لما كان سويسرا الشرق -لبنان- وما يمكن أن يكون سنغافورة الشرق في عدد من الدول العربية في مقدمتها الأردن والدولة الفلسطينية الموعودة بالتزام أمريكي ودولي، غرب نهرنا الأردني المقدس وحتى البحر الأبيض المتوسط، ضمن رؤية الدولتين وفي إطار إقليمي للتعاون البيني -إقليميا ودوليا، أفقيا وعموديا- مع خطوط الطاقة والإنتاج والتجارة الدولية التي يحميها «فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني» عندما يتم تصدير نفطه المهرب وسموم المخدرات وفي ثنايا مطاياهم الفصائلية الشيطانية، فردة سلاح «فشنك» لا يصيب ولا يدوش! أو عتاد مزعوم، لا يحسم مواجهة ولا يكسب حربا،بقدر ما يستنزف من يدعون حمايتهم ويمهد لمزيد من الحروب عبر الحدود وداخلها.حقا، سلوك نظام الملالي «خبيث».. هذا لا يعني أن سائر دول الإقليم أو العالم قديسون وملائكة! المهم أن يسارع العرب وبعض دول الشرق الأوسط «الكبير أو الموسّع» ولو بتحالفات دولية دفاعية مؤقتة، كما -حارس الازدهار- بردع كل من تسول له نفسه هذا الاستهداف الانتقائي لساحات جعلوها -كما ألمحت في مقدمة المقال- مظلمة، باردة شتاء، حارة صيفا، عطشى مغبرّة تعلوها قترة، تملأ ساحاتها ممارسات يندى لها الجبين كالمستأجرين أو «المتطوعين» في غسل وتدليك وتقبيل أقدام ونعال من يصفونهم «حجاجا أو زوارا»، فيما يهيلون التراب على أنفسهم، يشقون ويلطمون الخدود والصدور.أربيل -العراق كله، ولبنان وسورية واليمن كله، وغيرها من منارات هذا الشرق المنكوب، سيقوم كما العنقاء، ويرد عنه الأذى وكيد الطامعين، من أي اتجاه كان، وتحت أي ذريعة كانت..الحل ولا أستطيع التفصيل في هذا المقام، يتمثّل في ضبط الحدود وإن لزم الأمر إغلاقها إلى حين، بعد تطهيرها من كل ما هو غريب أو يتصرف بنفسية وعقلية لا الأجنبي فقط وإنما العدو، سرا وجهارا. صار كما يهتفون في بعض «المسيّرات»، صار كل شيء «ع المكشوف»!أربيل من فوق جميلة وعن قرب أجمل، حمى الله جبهتنا الشرقية والشمالية من كل سوء.. ــ الدستور
تصميم و تطوير