عقود الإذعان

{title}
أخبار دقيقة - اتصل بي أحد الأصدقاء وطلب مني تناول موضوع العقود التي يتم توقيعها بين المواطن والجهات التمويلية والإقراضية وشركات الاتصالات وغيرها، عقود يتحدى فيها أن يكون أي مواطن قد قرأ بنود العقد قبل التوقيع عليه، خاصةً وأن العقد يتم وضعه من طرف الجهة صاحبة الشأن وهو عقد يمكن تسميته بلائحة دعوى مكتملة الإدانة للطرف الثاني المنتفع أو المقترض. عقد الإذعان هو ذاك الذي يضعه الطرف صاحب المصلحة أو العمل، ويقوم الطرف المنتفع أو المستفيد بالتوقيع عليه كما هو ودون ادنى إمكانية للحوار أو المراجعة لأي بندٍ من بنود العقد، وهو يتم وضعه من قبل هيئة قانونية، ويكون الهاجس لدى واضع العقد ضمان تحصيل الحقوق بالدرجة الأولى، وضمان معاقبة الطرف الثاني في حال عدم الوفاء، أي أن هذا العقد مصون قانونياً وحقوقياً ولا يمكن الطعن فيه أو الالتفاف عليه أو التفاوض. هذه العقود تكاد تكون هي السمة الطاغية في مختلف المجالات المرتبطة بالدفع والتمويل والإنتفاع من خدمات عامة، أي أنها تكاد تكون الشكل الشائع المقيّد للمواطنين الذين لا حول لهم سوى الإذعان والتوقيع من أجل الحصول على المنفعة والفائدة. لا أدري كم هي المساحة المتاحة لهذه الجهات بتقييد انتفاع المواطن من منفعة تأخذ صفة العمومية والضرورية، كي تقيّده وتجعله يوقّع على لائحة دعوى مكتملة الأركان يمكن استخدامها في الوقت والظرف الذي تقرره صاحبة المصلحة. والحقيقة أن العقد يكون متراص الكلمات صغيرة الأحرف إلى درجة عدم إمكانية قراءتها حتى لمن يمتلك قوة بصرية جيدة، كما أنها تكون مصاغة بصيغات قانونية لا يستطيع المواطن فهمها ووعي مراميها وأبعادها إلا إذا كان مطلعاً ومدركاً للصياغات القانونية. كما أن المواطن الذي يريد الانتفاع من جهةٍ ما، يكون الطرف الأضعف، لأنه ببساطة شديدة لا يحصل على المنفعة دون التوقيع ليس فقط على العقد بالعموم، بل هناك بنود يطلب من المنتفع التوقيع بجانبها من أجل إثبات أنه طالعها وفهم مقاصدها من خلال توقيعه بجوارها. نحن لسنا ضد صيانة الحقوق بين الأطراف المرتبطة بعقود، لكن السؤال: لماذا يأخذ العقد شكل الإكراه والإذعان وعدم إمكانية تعديل أو إضافة أو حذف أية كلمة من هذا العقد ذي الأسبقية في الجاهزية. ولماذا تمنح تلك الجهات مثل هذه الامتيازات التي لا تتجرأ الحكومات على استخدامها مع كل ما تمتلك من قوةٍ ومن أدوات ضد أي مواطن، لا بل نراها تقوم بين فترةٍ وأخرى على تقديم المزايا التشجيعية والخصم لمن يقوم بسداد ما عليه أو بتقسيطها. لقد سمعنا عن قضايا أحيلت للقضاء على خلفية مبالغ متناهية الصغر ونتيجة عدم مقدرة المدين على الوفاء أو حتى الإخلال بالسداد، وهذا ناتج عن درجة صرامة العقد الذي يمنح الجهة صاحبة العقد قوةً لا يستطيع المدين أو المستفيد إلا أن يذعن لها. إن الأمر بحاجةٍ لإعادة النظر فيما تدعى بعقود الإذعان والعمل على التوازن بين طرفي العقد، فلولا وجود منتفع لما وجد صاحب المنفعة.
تصميم و تطوير