د. ماجد الخواجا يكتب : الكيان الكاذب

{title}
أخبار دقيقة -

قديماً قيل إن الضحية الأولى في المعارك هي الحقيقة، وقيل أيضاً: للنصر ألف أب، لكن الهزيمة يتيمة.

منذ السابع من أكتوبر انهالت روايات وسرديات صهيونية تتحدث عن وحشية المقاومة التي أطلقت عليها كلمة « داعش « وهي الكلمة التي تروق لأسماع العالم كرمز للإرهاب المطلوب استئصاله ودحره وهدم أوكاره. لم يكن تبنّي الأخبار المفبركة وبناء الخطاب التضليلي وترويج الكذب المضوح ابن ساعته، فهو يمثّل استراتيجية صهيونية تاريخية، عندما زعمت أنهم شعب الله المختار، وأن مملكة يهوذا الأرض المقدّسة هي أرض الميعاد وأرض الأجداد، علماً أن مدة حكم داود وسليمان ومملكتي « إسرائيل ويهوذا» لم تستمر أكثر من ثلاثة قرون كانت في معظمها تحت الحكم الفارسي أو اليوناني أو الروماني، ولم تكن خالصةً نقيةً مستقلةً تماماً. فهي كانت بمثابة حكم ذاتي أو ولاية ضمن ولايات الدولة وليست مستقلة بمفهوم الدولة المعاصرة. لقد نحتت الصهيونية عديداً من المصطلحات التي باتت ملتصقةً بها وكأنها لا تصحّ لغيرهم، ومن تلك المصطلحات: السبت، السبي، الهولوكوست، الأرض المقدّسة، أرض الميعاد، شعب الله المختار، هيكل الرّب أو سليمان، الشمعدان، نجمة داود، الشتات، الوعد الإلهي، الجيتو، معاداة السامية،... . وغيرها من المصطلحات التي تم لي عنقها لتأخذ شكلاً وامتيازاً خاصين باليهودية والصهيونية. بدأت سردية الرواية الصهيوينة القائمة فقط على مبدأ « الكذب المنهجي» عبر كتبهم التي تتحدث عن الوعد بأرض الميعاد وأن الصهيونية هي الخلاص اليهودي للفردوس الأرضي الذي يتم بعد إعادة بناء الهيكل السليماني محل المسجد الأقصى، وأن النهاية الإلهية السعيدة التي وعدهم يهوه بها ستكون بعد إقامتهم لهيكلهم ومملكتهم الثالثة، وتم قبول هذه الرواية من طرف المجتمعات الأوروبية بعدما أصبحت التوراة بأسفارها الخمس جزءاً لا يتجزأ من الكتاب المقدّس في عهديه القديم والجديد، وعندما وضع مارتن لوثر أسس البروتستانتية بتأليفه لكتاب « عيسى ولد يهودياً «، فتناغمت الرؤى وتشابهت الروايات وتلاقت الغايات. وجاءت الكذبة الثانية أنه لا توجد في العالم دولة يهودية واحدة فيما هناك عشرات الدول المسيحية والمسلمة والهندوسية والبوذية واللادينية، وأن اليهود هم عنصر بشري نقّي مهما اختلفت أماكن تواجدهم الجغرافية وحتى ألوانهم، فوجدنا يهوداً من البشرة الأوروبية، والإفريقية والعربية وحتى الصينية. وبدأت سلسلة الأكاذيب تتدحرج من كتاب هرتزل « الدولة اليهودية» ووعد بلفور ومقولة « أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض» وبدأت تتوافد الهجرات الأولى إلى فلسطين بذريعة الهروب من الاضطهادات الأوروبية وخاصةً القيصرية الروسية، وأنهم مزارعون يريدون العمل في الأرض وفلاحتها، وتقوقعوا بدايةً ضمن ما سميت بالكيبوتسات الزراعية وهم من اعتادوا على الإنغلاق عن البشر في جيتواتهم الأووروبية. وتأسست أول مستوطنة لليهود عام 1878 في العهد العثماني كبلدة أو مستوطنة زراعية سميت « بتاح تكفا « والتي تعني «فتحة أو عتبة الأمل»، تلك العتبة التي كانت فتحة أو عتبة البؤس للفلسطينيين. بلغ عديدهم حينها25 ألف من يهود أوروبا الشرقية الذين كانوا من الفقراء والمنعزلين عن مجتمعاتهم بل المنبوذين فيها. لقد سرقوا فلسطين من أهلها بطرقٍ حربائية التفافية، فهم وضعوا نصب أعينهم تملّك الأرض وزيادة عديد المهاجرين منهم والذين كانوا يطلقون عليهم لقب «العائدين». وتتابع سردية دولة الكذب.

د. ماجد الخواجا

تصميم و تطوير