أزمة الأحزاب حضور شكلي وغياب مجتمعي

{title}
أخبار دقيقة - كتب ـ فادي السمردلي 
 كثرة المقرات لا تصنع تأثير ومنجزات فحين نبحث في أسباب ضعف بعض الأحزاب السياسية في الأردن، لا يمكننا أن نكتفي بتقييم عدد فروعها أو مقراتها المنتشرة في المحافظات، وكأن الوجود الحزبي يُختصر في اللافتات المثبتة على الأبنية أو في غرف مغلقة قد لا تُفتح إلا عند اقتراب الانتخابات فالحقيقة التي يجب أن تُقال بصراحة إن انتشار الأحزاب لا يُقاس بالبنية المادية بل بمدى الحيوية السياسية والتنظيمية والاجتماعية التي تعبّر عنها هذه الفروع فليس المهم أن يكون هناك مقر حزبي في محافظة ما، سواء أكان مستأجرًا أو متبرعًا به أو حتى مملوكًا منذ سنوات، بل الأهم هو أن يكون هذا المقر منارة للفكر، ومنصة للتفاعل، ومجالًا مفتوحًا للنقاش والعمل والتأثير في المجتمع المحلي.

للأسف، لا تزال معظم الأحزاب الأردنية أسيرة المركز، حيث تتركز كل القرارات والأنشطة والقيادات في العاصمة عمّان، وكأن المحافظات مجرد ملحقات تنظيمية لا أكثر وهذا النوع من المركزية يُفرغ الفروع من معناها الحقيقي، ويجعلها تابعة لا شريكة، ويعزز من شعور الناس في الأطراف بأنهم مهمَّشون سياسيًا، لا يُؤخذ برأيهم ولا يُمثَّلون في البرامج ولا في القيادة فكيف يمكن بناء ثقة بين المواطن والحزب، إن لم يكن المواطن جزءً فاعلًا من منظومة القرار، وإن لم يشعر بأن الحزب يُعبّر عنه فعليًا، لا مجرد خطابًات للاستهلاك الاعلامي؟

مما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن هذه الأحزاب، إلى جانب عجزها عن الانتشار المجتمعي الحقيقي، تعاني أيضًا من ضعف في بنائها الداخلي فلا مرجعيات فكرية واضحة، ولا برامج سياسية واقتصادية قابلة للتطبيق، ولا تنظيم حزبي فعّال يُفرز قيادات جديدة أو يُطور أداءه بناءً على احتياجات المواطنين وبدلًا من ذلك، نجد كيانات هشة قائمة على شخصنة القيادة أو المجاملة أو التوازنات المؤقتة، تُعيد إنتاج ذاتها بعيدًا عن التغيير أو النقد الذاتي وفي مثل هذا المناخ، يصبح العمل الحزبي طاردًا، لا جاذبًا، وتُصبح المشاركة فيه عبئًا لا أملًا.

من هنا، فإن إصلاح الحياة الحزبية الأردنية لا يمكن أن يتم بقرارات مركزية أو بمبادرات شكلية، بل لا بد أن ينطلق من إدراك عميق أن الأحزاب لا تبنى باللافتات، بل بالناس فالحزب القوي هو من يملك قواعد في المحافظات، تُدير الفروع وتُفكر وتُقترح وتُنتخب، لا فقط تُستَخدم في الحملات أو في تأييد ما تقرره القيادة في المركز فالحزب القوي هو من يفتح مقراته يوميًا لاحتضان طاقات الشباب والنقاشات العامة وخدمة المجتمع، لا من يغلق أبوابه في وجه الناس بانتظار استحقاق انتخابي فالحزب القوي هو الذي يرى في المحافظات مراكز حيوية للفكر والعمل والتنظيم، لا مجرد "أرقام” تُضاف إلى خريطة الانتشار.

ولكي نصل إلى هذا النموذج، لا بد من إعادة بناء الأحزاب من جديد، بدءًا من مراجعة أهدافها لتكون واقعية، وطنية، عملية، وقابلة للقياس ومن ثم إعادة هيكلة تنظيمها الداخلي لتمنح قواعدها المحلية السلطة في المشاركة والمساءلة ومن الضروري كذلك التفكير جديًا بدمج الأحزاب التي تتقارب في الرؤى والأهداف، للخروج من دوامة التشتت الحزبي الذي أنتج عشرات الأحزاب الضعيفة، بدلًا من كيانات قوية تمتلك وزنًا سياسيًا وتمثيلًا وطنيًا.

إن الأردن اليوم يقف أمام مفترق طرق سياسي يتطلب من الجميع، دولةً وأحزابًا ومجتمعًا، أن يتحمل مسؤوليته في بناء حياة ديمقراطية حقيقية ولن يكون ذلك ممكنًا دون أحزاب قوية، حيّة، قادرة على أن تكون بين الناس، لا فقط على الورق فالأحزاب ليست غرف اجتماعات، وليست أسماء في الصحف، بل هي أدوات تغيير وبناء وتوجيه. وإذا لم تقم بهذا الدور، فإن وجودها يصبح عبئًا لا ركيزة لهذا، فإن تجديد الحياة الحزبية هو خطوة أساسية في مسيرة الإصلاح السياسي، وهي مسؤولية لا يجب التهرب منها ولا تأجيلها.

الكاتب من الأردن

تصميم و تطوير