المحسن والمسيء

{title}
أخبار دقيقة -
كتب _ مهنا نافع
نعلم أن البشر لا يرمون الحجر إلا على الشجر الذي علاه الثمر، ونعلم أن السماح والسماحة خلق رفيع جميل أصيل حتى أن بعض العرب وصل بهم الأمر أن قالوا إن دية القتيل عند أهل الكرام اعتذار.

إن ما نسميه اليوم بالخطأ عندما يكرر يفقد تسميته الأولى ليصبح له تسميه جديدة، إنها الاختيار، وهي بمعنى القرار، فالخيارات أمامك، والخيار لك، وأنت من يقرر، فتكرار الإساءة إلى الغير لا يساوي أبدا كبوة الجواد أو زلة اللسان، إنه اختيار، فالصفح مطلوب والتغافل لدوام الود هو ثقة بالنفس وخلق محمود، وحتى لإساءة متعمدة غير مكررة، ولكن إن تكررت، فالتجاهل والاستمرار بالتغافل وترك المسيء لينتشي وينتشي بتكرار الإساءة، ليتوهم قوة شخصه، بسبب مجون بعقله، أو عله بنفسه أو شر في قلبه يعميه ليستمتع بقلة حيائه أمر غير مقبول.

ولو نزلنا السلم لبداياته، وتتبعنا عثرات الناس وإساءة البعض منهم لبني جنسهم، لنرى الإساءة تلو الإساءة، ومن ثم نرى من البعض أيضا السماح تلو السماح، لنفهم مما يقوله المسيء، بأن الناس لن يكترثوا، وحسب فهمه هم طيبون، وللرد عليه لضعفهم سيهابون، فهو لعظم جهله لن يستوعب أبدا أن ذلك كان مداراتهم لسفهه، نعم هذا هو ديدن المسيء بتكرار الإساءة تلو الإساءة، مستغلا حلم الحليم أو ضعف الفقير أو حتى المريض، فهو يعلم أن الناس لن تتعب عقولهم بالتحري والبحث والتنقيح، رغم فضولهم لسماع القليل من التفاصيل، فحتما لديهم ما يشغلهم عن ذلك، وسينتهي الحكم غالبا بالجملة التي تجلب لهم راحة الضمير، ألا وهي الحق يقع على الاثنين، على الطرفين، على الجميع، فالمسيء يدرك من خلال تجربته الطويلة بالإساءة، أن الأمر سينتهي وسيستوي خبثه بطيب غيره.

فإن كنت تكترث لأمر هذا المسيء واردت له خيرا فلتكن عليه شديدا بالبداية وبرفق إن لمست منه شيئا من التعقل والندم حتى لا تصل معه إلى الجفاء، ولا تستغرب من ذكر الرفق مع الشدة، واعلم أنك لم تجانب الصواب لأنك ردعته وحتما نفعته ونفعت غيرك، أما إن كان لديك ما يشغلك ولم تكترث لكل ذلك، فإياك أن تساوي بين الطيب والخبيث، لأنك أن فعلت ذلك تكون خالفت الفطرة وساويت الشر بالخير، لا بل نصرته عليه، وإن وقعت بحيرة واختلط عليك الشأن فالتزم الصمت، وإن سألوك من هو المحسن ومن هو المسيء، فاعتذر فهذا سيزيدك حسن المكانة والاحترام والتقدير.
مهنا نافع
تصميم و تطوير