اليوم الدولي للوالدين.. دعوة أممية للاعتراف بحقوق الأسرة كركيزة للعدالة الاجتماعية

تحتفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الأول من يونيو، باليوم الدولي للوالدين، الذي أقرته رسميًا بموجب القرار رقم (A/RES/66/292)الصادر بتاريخ 17 سبتمبر 2012، حيث دعت الأمم المتحدة من خلال هذا القرار الدول الأعضاء والمجتمع الدولي إلى الاعتراف بالدور المحوري الذي يضطلع به الوالدان في رعاية الأطفال وتربيتهم، وتهيئة بيئة أسرية مستقرة وآمنة تكفل نموهم البدني والعاطفي والاجتماعي.
وشددت المنظمة الدولية على ضرورة إشراك الوالدين كشركاء أساسيين في تحقيق التنمية المستدامة، انطلاقًا من حقيقة أن الأسرة تمثل الوحدة الاجتماعية الأولى التي تتشكل فيها شخصية الطفل وتتحدد فيها ملامح سلوكه وتوجهاته المستقبلية.
موضوع 2025: تنشئة الوالدين
اختارت منظمة الأمم المتحدة، بالتعاون معمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، شعار "تنشئة الوالدين" ليكون محور الاحتفال باليوم الدولي لعام 2025، وأكدت المنظمة أن دعم الوالدين لا يقل أهمية عن دعم الطفل، بل يُعد أساسًا لضمان بيئة أسرية صحية.
أوضحت منظمة اليونيسف أن التربية لم تعد مسؤولية فردية أو عفوية، بل باتت تحتاج إلى إعداد وتأهيل ومرافقة نفسية ومعرفية للوالدين.
وأطلقت اليونيسف بهذه المناسبة حملة دولية تحت عنوان "شهر مهارات الوالدين" تمتد طيلة شهر يونيو.
تهدف الحملة إلى توفير محتوى علمي مبسط ومتاح مجانًا، يقدم للوالدين أدوات عملية تساعدهم على التعامل مع الأطفال في مختلف المراحل العمرية، مع التركيز على التربية الإيجابية، والذكاء العاطفي، والوقاية من العنف الأسري، وتعزيز الثقة المتبادلة داخل البيت.
قصص وتجارب واقعية
تستعرض منظمة اليونيسف خلال الحملة شهادات حية لآباء وأمهات من خلفيات ثقافية واقتصادية متعددة، حيث تروي الأمهات في مخيمات النزوح والتشريدكيف يواجهن ضغوطًا نفسية هائلة في تربية أبنائهن وسط غياب الحماية الاجتماعية، ويتحدث الآباء في المدن الكبرى عن تحديات التوازن بين العمل الطويل والتفاعل الأسري، كما تشارك الأسر من المناطق الريفية تجاربها مع نقص الموارد التربوية، وانعدام فرص التدريب والدعم.
تسعى الحملة من خلال هذه القصص إلى كسر الصورة النمطية للوالدين، وتقديم رؤية إنسانية تبرز حاجتهم للدعم، لا سيما في الأوضاع الهشة الناتجة عن الحروب أو الفقر أو الهجرة القسرية.
العلاقة الوثيقة بين الأسرة والتنمية المستدامة
ربطت الأمم المتحدة بين دعم الوالدين وتحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة، وفي مقدمتها:القضاء على الفقر (الهدف الأول)،تحسين جودة التعليم (الهدف الرابع)،تحقيق المساواة بين الجنسين (الهدف الخامس)، تعزيز الرفاه الاقتصادي والعمل اللائق (الهدف الثامن)،ضمان السلام والعدالة وبناء المؤسسات القوية (الهدف السادس عشر).
وتشدد المنظمة الدولية على أن الاستثمار في قدرات الوالدين ينعكس مباشرة على صحة الطفل النفسية والتعليمية والاجتماعية، ما يسهم في بناء مجتمعات أكثر استقرارًا وتماسكًا.
حثت الأمم المتحدة الدول على اعتماد سياسات عامة تُمكّن الوالدين من أداء دورهم بشكل فاعل، ودعت إلى توفير برامج تدريبية للأمهات والآباء الجدد تركز على مهارات التربية الحديثة والتواصل الإيجابي مع الأطفال، وطالبت بتمويل برامج الدعم النفسي والاجتماعي، خاصة للأسر التي تعيش في ظروف ضاغطة أو متأثرة بالنزاع أو الفقر.
كما شجعت على إصدار قوانين وطنية تضمن إجازات أبوة وأمومة مدفوعة الأجر، ورعاية صحية مجانية، وإمكانية العمل المرن للأمهات والآباء.
ونبهت المنظمة إلى خطورة غياب الحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة، حيث يؤدي ذلك إلى انتقال الفقر من جيل إلى آخر، ويفاقم من مشكلات التعليم والتسرب والعنف المنزلي.
الاحتفاء باليوم
تشجع الأمم المتحدة المدارس على تنظيم فعاليات تفاعلية تُشرك الأطفال في التعبير عن الامتنان لذويهم من خلال رسائل أو عروض فنية، وتحث وسائل الإعلام على إنتاج محتوى تقديري يُكرّم دور الوالدين، ويسلط الضوء على قصص النجاح الأسري، ويدعو المجتمع إلى ترسيخ ثقافة الاعتراف والتقدير.
واقترحت المنظمة إطلاق جوائز محلية للآباء والأمهات المتميزين، وتنظيم ندوات عامة عن التربية الحديثة، وإنتاج مواد رقمية توعوية توزَّع عبر المنصات الرقمية.
دعم الأسر في الأزمات
نبهت المنظمة الدولية إلى أن الأزمات الإنسانية -من حروب وكوارث وأوبئة- تُلقي بثقلها على الأسر، وتُضعف قدرة الوالدين على الاستجابة لاحتياجات أطفالهم، لذلك طالبت بتخصيص موارد مالية وتقنية لتقديم الدعم العاجل للأسر في المناطق المنكوبة، مثل تأمين المأوى، والمياه، والخدمات الصحية، والتعليم البديل.
وأكدت ضرورة تقديم دعم نفسي متخصص للوالدين الذين تعرضوا للصدمات، لضمان استقرارهم العاطفي وقدرتهم على مواصلة أداء دورهم التربوي.
ودعت الأمم المتحدة جميع الحكومات والمجتمعات إلى احترام الدور التربوي للوالدين وتقدير تضحياتهم اليومية، وتؤكد أن رعاية الطفل لا تبدأ من المدرسة ولا تنتهي عند المساعدات المادية، بل تنطلق من داخل المنزل، وتقوم على أكتاف والدين يُؤمَن بهما ويُستثمر في قدراتهما.
وتشدد على أن بناء مجتمعات مزدهرة يبدأ من تمكين الأسرة، وأن دعم الوالدين ليس منّة، بل حق أساسي وإنساني، يُسهم في صون كرامة الأجيال القادمة وضمان مستقبلهم.
المصدر : جسور + زينب مكي