السوالقة يكتب : الطفيلة المهمشة… وقصتي

{title}
أخبار دقيقة -
كتب - أكرم السوالقة 

أنا ابن الطفيلة. المحافظة التي لطالما سكنتها الكرامة، وغادرها الاهتمام.

كبرت في أزقتها الطينية، على مقاعد مدارسها الباردة شتاءً، وتحت شمسها اللاهبة صيفًا. هناك تعلمت أن الحياة لا تمنحك شيئًا بسهولة، وأن أحلام الفتى القادم من الجنوب تحتاج ضعف الجهد لتُسمَع، وضعف الصبر لتتحقق.

الطفيلة، رغم عراقتها وتاريخها ومواقف أبنائها، ظلت على هامش الخطط والموازنات، تنتظر دائمًا نصيبها من التنمية فلا يأتي، وتطالب بحقوقها الأساسية في البنية والخدمات والعمل، فيُنظر إليها كأنها تطلب امتيازًا، لا عدلًا.

خرجتُ منها لا فرارًا، بل بحثًا عن فرصة. عملت، وبنيتُ نفسي من الصفر، وها أنا اليوم طالب في كلية القانون، وصاحب مشروع صغير بدأ من تعب السنين. لكن قلبي لا يزال هناك… في الطفيلة.

يُنعت أمثالي أحيانًا بأننا "الأقل حظًا”. يقولونها بشيء من الشفقة أو الترفع، دون أن يفهموا أن ما نمتلكه من عزيمة يساوي أضعاف الحظ. لسنا الأقل حظًا، بل الأكثر صبرًا. نحن أبناء التضاريس القاسية، نعرف معنى أن تبني طريقك بلا تمهيد، أن تصعد جبل الحياة دون حبال دعم.

وأنا، أكرم، لم أخرج فقط لأحقق ذاتي، بل خرجت أحمل رسالة… أن أعود يومًا، لا زائرًا، بل ابنًا فاعلًا، يُعيد لقريته المنسية جزءًا من حقها. أعمل لها، وأحلم بها، وأراها في كل خطوة أخطوها. سأعود بكل قواي، بما تعلمت وما بنيت، لأصنع فيها الفرق الذي طال انتظاره.

لم أغادر الطفيلة روحيًا يومًا. كل ما أنجزه، أحمله كأمانة لأجلها، ولكل شاب فيها يشعر أنه غير مرئي. نكتب، ونعمل، ونطالب، لا لنشتكي، بل لنُذكّر أن الوطن لا يُبنى بنصف خريطة، ولا بنصف إنسان.

رسالتي: لا تهمّشوا الجنوب. فالطاقة التي تضيء بها البلاد تُستخرج من أرضه، والرجال الذين يحرسون الحدود ويمسكون بمعاول البناء كثير منهم من هناك. آن الأوان أن يُردّ لهم الجميل، لا بالخطابات، بل بالفعل.

أنا ابن الطفيلة، ولا زلت أؤمن أن القادم سيكون أفضل… فقط إن سُمع صوتنا.

أكرم — ابن الجنوب والطفيله المنسيّة، حامل الرسالة، طالب قانون، وصاحب مشروع صغير
تصميم و تطوير