#عاجل...الشاقلدي يكتب : ما وراء المكتب (1)

أخبار دقيقة -
كتب _ فايز الشاقلدي
سأختصر الحديث وسأضع أمامكم سلسلة من الكلمات حول شخصية "ابو العريف " ، المعروف بأنه خارق للعادة، فهو جامع للعلم والمعرفة، بينما يرى غيره بأنهم أقزام أمامه، ولا يعرفون شيئاً مما يحدث أمامهم، لذلك فهو يتطوع دائماً للحديث من أجل أن يشرح لهم ما يجري من أحداث، وتحليلها بدقة وتفصيل حتى الملل، دون أن يعطي الآخرين فرصة لمناقشته أو مقاطعته، بينما هو يقاطع الآخرين، ويكمم أفواههم بكثرة حديثه وارتفاع صوته .
لكم أن تتخيلوا أن هذه الشخصية تحمل صفة (مدير) ويعتلي كرسيا خشبيا بجلد فاخر يتغنى بالعدالة والاصلاح ويلبس عباءة الدين متخفيا بها عن أفعاله الذي يصنعها المحيطين به ، بعد مغادرة الموظفين وأحيانا في أوقات تواجدهم بحسب "مزاجه" .
المعروف أن شخصيات المدراء تتعدد والمشكلة أن البعض منهم يرون أن المنصب الذي يعتلونه كالحكم الإمبراطوري في اليابان، فالسمع والطاعة والولاء لهم. ولكن الفرق أن الإمبراطور الياباني يستشير معاوينه من الحكمة وعلم الاستراتيجية ما يؤهله بالفعل لقيادة شعب بالكامل. أما صاحبنا المدير فهم قد يدير ثلة من الموظفين وهو يعتلي كرسي من الجلد لا يستحق منه هذه الأنفة والنظرة المتعالية، حتى وإن غلا ثمن الكرسي فلن يصل إلا إلى بضع آلالاف من الدنانير. صفات الغرور، والتكبر، والتعالي، والنظرة الدونية للآخرين عادة من يكون صاحبها من الشخصيات "النرجسية"، فهو يتكبر على من تحته ويقبَل قدم من فوقه .
الأمرّ من ذلك هي المزاجية، فبعض المدراء يتغير مزاج مرؤوسيهم بتغير مزاجيته، فترى يوماً المكاتب تعج العصافير التي تزقزق بين الطاولات وفي الممرات، وترى الموظفين يعملون بسعادة كل منغمس بأداء عمله، كسرب من النحل كلٌ مشغول في امتصاص الرحيق من الأزهار المنتشرة بين المكاتب. وما يرفع الليل ستاره لتتخلل أشعة الشمس اليوم التالي إلى نوافذ المكاتب، حتى تنقلب الحدائق الغنّاء إلى أراضي جرداء قحلاء خالية من الحياة، وتنلقب الممرات كأفلام الإثارة المخيفة، يمر فيها مجموعة من "الزومبيز" فهم أحياء جسداً، أموات روحاً، كل هذا لأن مديرهم المصون في مزاج متعكر فما عليه إلا أن يصب جام غضبه على موظفيه، وحتى لا يشعر بالحزن أو الغربة وذلك بأن يصيب كل من حوله بالنكد، والكدر، والكآبة، معتقداً بأنه بهذا الأمر قد طبق مبدأ المساواة. مثل هذه الفئة تسمى أيضا بالشخصية "الحدّية" فتارة تكون في صعود، وتارة أخرى في هبوط، كالأفعوانية ولكنها تختلف عن أفعوانية الملاهي، لأن مسار أفعوانية الملاهي مسلية وممتعة، وتغمرك سعادة في صعودها وهبوطها، عكس أفعوانية المدير التي تصعد بك لتتنفس الصعداء، وفجأة تهبط بك لتمتعض كمداً .
ربما تلك التقلبات لتواجد في بيئة العمل وبين المكاتب وكأنه يتلصص بخبث كالثعلب، ويتمايل كالأفعى، وهو الموظف المحتال الذي يمزج بين الموظف "الطعّان" و "المشكلجي" أو أحدهما. هذا الموظف يتلذذ بسماع الأخبار، فقوت عمله هو الأكل من لحم زملائه الموظفين، فيقذف هذا ويذم ذاك، وينشر النميمة والغيبة بين الموظفين، بل يوهم الآخرين بطيبة قلبه، وصفاء قريرته ليستغل ثقتهم، ويستقي منهم الحديث بخبث، كاستقاء الشخصية الأسطورية "دراكولا" من رقاب ضحاياه، وما إن يشبع حتى يقذفهم كجثة هامدة والبحث عن ضحايا آخرين. عادة ما يكون وراء هذا النوع من الموظفين ضعف ثقة في النفس فليجأ لأساليبه المكارة للشعور بنشوة الانتصار، وتقديراً لذاته، لذلك حتى وإن نجحوا في عملهم يقولون أنه محض صدفة أو نصيب. مثل هؤلاء، هم مصابون بمتلازمة المحتال.