الشرق الأوسط على حافة الانفجار: تعقيدات السياسة الإقليمية ومستقبل الصراعات

{title}
أخبار دقيقة - بقلم :د. ليث عبدالله القهيوي
تواجه منطقة الشرق الأوسط مرحلة حاسمة من تاريخها، حيث تتشابك خيوط السياسة الإقليمية مع تطورات عسكرية واقتصادية واجتماعية معقدة، تجعل المنطقة أقرب ما تكون إلى الانفجار، من الصراعات العسكرية المفتوحة إلى التحالفات الهشة، تبدو المنطقة كبرميل بارود، قابل للاشتعال في أي لحظة، هذا المقال يحلل الوضع الإقليمي الراهن، مسلطًا الضوء على التحديات التي تواجه المنطقة، والسيناريوهات المحتملة لمستقبلها.


تتصدر القضية الفلسطينية واجهة الأحداث في الشرق الأوسط، حيث تستمر الحرب الإسرائيلية على غزة في تأجيج الصراع وتزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية وفشل المفاوضات بين إسرائيل ومصر بشأن محور فيلادلفيا يشير إلى أن إسرائيل مصممة على فرض رؤيتها الأمنية، حتى لو كان ذلك يعني استمرار المواجهات مع حماس وتصعيد العنف.
إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاحتفاظ بالسيطرة على محور فيلادلفيا يعكس نهجًا إسرائيليًا يقوم على القوة العسكرية كوسيلة لتحقيق الأمن. هذا النهج يواجه رفضًا قاطعًا من مصر، التي ترى في هذا المطلب انتهاكًا لمعاهدة السلام الموقعة بين البلدين. تعقيد هذه المفاوضات يضع المنطقة أمام خيارين: إما تصعيد أكبر قد يشمل عمليات عسكرية جديدة، أو ضغط دولي يجبر الأطراف على التوصل إلى تسوية تحفظ ماء الوجه للجميع.
تاريخيًا، تلعب مصر دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، ومع تصاعد التوترات الحالية، تتعزز أهمية هذا الدور. رفض القاهرة للمطالب الإسرائيلية بشأن محور فيلادلفيا يعكس رغبة مصر في الحفاظ على سيادتها من جهة، وتجنب تصعيد الصراع من جهة أخرى. مصر، التي تعاني من تحديات اقتصادية وأمنية داخلية، تجد نفسها مجبرة على المناورة بحذر في هذا الملف الشائك، حيث أن أي تصعيد قد ينعكس سلبًا على أمنها القومي.
مصر تدرك أن استمرار الصراع دون حل يضعها في مواجهة مباشرة مع تداعيات إنسانية وأمنية كبيرة. لذا، فإن تحركاتها الدبلوماسية تسعى لتحقيق تهدئة مؤقتة على الأقل، وربما تسوية طويلة الأمد إذا ما توافرت الظروف المناسبة.
لا يمكن تحليل الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط دون الإشارة إلى الدور الإيراني المتصاعد. إيران، التي تدعم فصائل المقاومة الفلسطينية مثل حماس، ترى في استمرار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة، هذه الديناميكية تُستخدم كأداة لمواجهة الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
إيران تسعى للاستفادة من أي تصعيد في غزة، لتعزيز موقعها كقوة إقليمية مؤثرة، وإن استخدام الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية يضع المنطقة أمام خطر تصعيد واسع قد يشمل جبهات أخرى، مثل الجبهة الشمالية مع لبنان، حيث يمكن لحزب الله، المدعوم إيرانيًا، أن يدخل المعركة في حال تصاعدت الأمور.
تحولات التحالفات الإقليمية هي سمة أساسية للوضع الراهن في الشرق الأوسط. تحالفات مثل التحالف السعودي-الإماراتي تبدو متماسكة ظاهريًا، لكنها تخفي تحت سطحها تباينات كبيرة في المصالح والإستراتيجيات. على سبيل المثال، التباين في التعامل مع الملف اليمني، حيث تدير السعودية والإمارات سياستيهما الخارجية بشكل منفصل إلى حد كبير، ما يضعف من قوة هذا التحالف على المدى الطويل.
التحالفات الأخرى، مثل تلك التي بين إسرائيل وبعض دول الخليج، تعكس محاولة لإعادة رسم خريطة القوى في المنطقة. هذه التحالفات تستند إلى المصالح المشتركة، مثل مواجهة النفوذ الإيراني، لكنها تبقى هشة بسبب تضارب المصالح في ملفات أخرى، مثل القضية الفلسطينية التي تظل ملفًا حساسًا لكل دول المنطقة.
تبقى الولايات المتحدة لاعبًا رئيسا في منطقة الشرق الأوسط، حيث تدعم إسرائيل بشكل غير مشروط تقريبًا، ما يعقد من جهود التوصل إلى حلول سلمية للصراع، إن الدعم الأميركي لإسرائيل، سواء من خلال تقديم المساعدات العسكرية أو الحماية الدبلوماسية في المحافل الدولية، يزيد من تعنت الحكومة الإسرائيلية في مفاوضاتها مع الأطراف الأخرى.
في الوقت نفسه، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب، حيث يجب عليها التوازن بين دعمها التقليدي لإسرائيل والضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي لوقف الحرب وتحقيق تسوية عادلة، هذا التوازن قد يصبح أكثر تعقيدًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث ستكون السياسة الخارجية، وخاصة في الشرق الأوسط، محط أنظار الناخبين.
الوضع في الشرق الأوسط يتجه نحو المزيد من التعقيد، مع احتمالية تصاعد الصراعات في أكثر من جبهة، والسيناريو الأكثر تشاؤمًا يتوقع اندلاع حرب إقليمية شاملة، في حال لم يتم احتواء التصعيد الحالي بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، أو في حال قررت إيران وحلفاؤها التدخل بشكل مباشر.
على الجانب الآخر، قد يؤدي الضغط الدولي وتدخل الأطراف الكبرى إلى فرض تهدئة مؤقتة على الأقل، تفتح المجال لمفاوضات جديدة. لكن هذه التهدئة ستكون هشّة ما لم تُعالج الأسباب الجذرية للصراعات، وخاصة القضية الفلسطينية التي تظل جوهر النزاع في الشرق الأوسط.
في ظل هذا المشهد المعقّد، تظل منطقة الشرق الأوسط أمام مفترق طرق التوترات السياسية والعسكرية، مع تصاعد الدور الإيراني والتحالفات الهشة، تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل المنطقة. ومع ذلك، يبقى الحل السياسي الشامل والضغط الدولي من أجل تسوية عادلة للقضية الفلسطينية مفتاحًا رئيسا لتحقيق الاستقرار الدائم في المنطقة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تمتلك الأطراف المعنية الإرادة لتحقيق هذا الحل قبل أن تنفجر الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه؟
تصميم و تطوير