الخواجا يكتب : إعادة تصنيع الحدث إعلامياً

{title}
أخبار دقيقة - كتب _الدكتور ماجد الخواجا 
يبدو أن الإعلام سيبقى في حالة من الحيرة بين الإدانة والبراءة، فما زال الجدال ساخناً في كيفية التناول الإعلامي للأحداث وسياقاتها، هل يقدمها كما حدثت فعلاً، هل يغلفها بأجندات وتحيزات خاصة، هل يعيد صياغتها وترتيب تفاصيلها بما يلائم احتياجات وطبيعة المتلقين.تبدو الأحداث في غزة محط اهتمام وسائل الإعلام، لا يتم تقييم الأحداث وفقا لحجم عمليات القتل والتشريد والتدمير، ولكن وفقا لحجم الاهتمام الذي حظيت به في وسائل الإعلام، فالحدث يأخذ حجمه من حجم الاهتمام الإعلامي به.إن العناوين والأخبار التي يتم تغطيتها ونشرها تأخذ أهميتها من ترتيبها ضمن سلة الأخبار المبثوثة، وطبيعة المحتوى والصور المنشورة، وكيفية صياغة الخبر والكلمات المنتقاة لذلك، فما بين كلمة مذبحة وكلمة عنف، يكون المتلقي بين حالتين مختلفتين تماما، عندما يتجنب الإعلام إطلاق صفة الإبادة الجماعية والوحشية ويستبدلها بكلمات من قبيل الأحداث الجارية أو العنف المتبادل، أو التوترات القائمة، فهذه كافية لتغير الانطباعات والأحكام على مجريات الحدث لدى جمهور المتلقين.على إحدى القنوات الغربية تسأل المذيعة مراسلة القناة في بولندا: كانت بولندا حذرة في استقبال اللاجئين، ما الذي تغير لنشاهد الاهتمام باللاجئين؟ تجيبها المراسلة بعفوية : لكي نوضح بعض النقاط الهامة، هؤلاء اللاجئون ليسوا من سوريا، إنهم لاجئون من الجارة أوكرانيا، هؤلاء مسيحيون، ذوو بشرة بيضاء، شبيهون جدا بالناس في بولندا. هناك خصائص يتسم بها إعادة تصنيع الحدث وتتمثل في:1- موت المعنى : تبدو التمثيلات الإعلامية أشبه بألعاب الفيديو، بحيث يصبح الحديث عن القتل أو الإصابات البشرية بأنها مجرد أضرار طفيفة أو جانبية.2- التنافر المعرفي الإعلامي يتمثل في طريقة نشر وترتيب الصور والأخبار للحدث ، كأن يتم عرض صور أو مشاهد لحروب أو مجاعات أو كوارث، يتخللها إعلانات لمشروب أو لسلع أو لبرنامج سياحي، فيتم تقديم الأخبار وكأنها دراما متلفزة بتكنولوجيا حديثة، تكفي ليظل المتلقي متأهبا للإمتعاض والتبرم وهو جالس خلف الشاشة بحيث يكون هذا أكبر البلاء .3- موت الموضوع : هنا يتم اتباع تكنيكات إعلامية تصل بالمتلقين إلى النهاية التي يراد لهم أن يتمثلوها. كأنه مسلسل وصل إلى الحلقة الأخيرة منه.يقول أحدهم أن الإرهاب كثيرا ما يخطط بعناية لجذب انتباه وسائل الإعلام، ولا يستهدف ضحاياه الفعليين، بل يستهدف الذين يشاهدونه.إن الإعلام ينقلنا إلى مسرح الجريمة، ويتركنا هناك عاجزين عن فعل أي شيء.والحقيقة أن تسليط الضوء على الجرائم المرتكبة وغير الإنسانية، قد يمنح مرتكبها تحقيق أهداف ثمينة لا يمكن له الوصول إليها دون مساعدة الإعلام عبر نقله وتغطيته للحدث، لكن ايضا في حالة عدم إبراز وتغطية الجرائم، فهذا قد يزيد من حجم وعنف ونوعية ووحشية الجرائم الصامتة، ويمكن أن يدفع بالمجرمين للتصعيد وارتكاب جرائم أشد فظاعة.فيما هناك وجهة نظر تقول إن الإعلام يمكن استغلاله ليصبح أداة خانقة وكاشفة للجرائم والإرهاب عندما يتم نشر ما اقترفته، فيتم التحشيد والتحريض ضد تلك الجماعات وصولا إلى خنقها تماما.وصولاً إلى الرأي القائل بأن على الإعلام أن يكون محايداً تماماً ويعرض الحدث / الجريمة/ العنف/ الإبادة، كما حدثت بالفعل دون أن يضفي عليها رؤيته وتحيزاته، تاركاً للمتلقين حرية تبنّي الرأي والاتجاه الذي يريدونه دون قيد مسبق.كثيرا ما يقع الإعلام في حيرة من أمره، فهو إن خالف السلطة وبدا مستقلا فيما ينشره، يتعرض للمضايقات وإغلاق الموارد المالية أو أي دعم مباشر وغير مباشر وصولا إلى القمع والاعتقال وإغلاق الوسيلة الإعلامية، كذلك الحال عندما يتم قتل الصحفيين واغتيالهم في الحروب مع تنصل الطرفين من ذلك بذرائع من قبيل أن الصحفي كان في منطقة اشتباك أو أنه وقع بنيران صديقة، إضافة إلى أن الجماعات المتطرفة والإرهابية كثيرا ما تهدد الإعلاميين وتسعى لاغتيالهم في حال لم يلبوا رغبات تلك الجماعات.هنا الصحفي والإعلامي يأخذ شكل بوق وببغاء يردد فيها ما تمليه وما ترغب به السلطة القائمة، أو يصبح في مرتبة الخيانة بتبني وجهة نظر المتطرفين، او يصبح مشروعا للاغتيال من الطرفين.البحث عن الحقيقة : لا يجوز التذرع بوحشية الأعمال العنيفة لرفض تحليل دوافعها وغاياتها، بحجة أن الأعمال الفظيعة لا تبرر، إن وظيفة الإعلام البحث في المناطق الرمادية وليس نقل الأخبار ذات اللون الأبيض أو الأسود فقط. فلا يكفي إظهار عملية إرهابية دون الخوض في ما وراء العملية برمّتها. 
تصميم و تطوير