آثار التغير المناخي تفرض ضرورة التأهب للأوبئة

{title}
أخبار دقيقة -

فرضت ظروف التغير المناخي التي يعيشها العالم ضرورة ملحة لفهم آثارها المتمثلة بزيادة انتشار الأوبئة والجوائح، إذ أكد متخصصون أن جائحة كورونا قبل عامين أفرزت حاجة ملحة لدعم جهود التأهب للأوبئة.

ويتفق المتخصصون على أن التأهب للأوبئة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، يتحقق بتفعيل دور المراكز المتخصصة بمكافحة الأمراض السارية والمعدية، وتخصيص مبالغ لدعم أنشطة البحث العلمي وجمع بيانات متعلقة بالأوبئة المحتملة، إضافة إلى توسيع الوعي حول مفاهيم المناعة المجتمعية والتكاتف الصحي، وعلى أنه موضوع بالغ الأهمية لانعكاساته على النظم الصحية والاقتصادية والاجتماعية. ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، جميع الدول الأعضاء وسائر الجهات ذات المصلحة إلى الاحتفال باليوم الدولي للتأهب للأوبئة في 27 كانون الأول سنويا من خلال أنشطة التثقيف والتوعية من أجل إبراز أهمية منع انتشار الأوبئة والتأهب لها والشراكة في مواجهتها. وقال مدير وحدة الاستجابة الإعلامية، الناطق الرسمي باسم المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، الدكتور أحمد النعيمات، إن التعامل مع الأمراض الوبائية يقع ضمن أول 4 مخاطر من خارطة المخاطر الوطنية التي بنيت عام 2016، والتي جاءت بالنظر للواقع الجيوسياسي للمملكة، إذ أعد المركز عام 2017 خطة وطنية للتعامل مع الأمراض الوبائية كانت النواة الرئيسة لمجابهة وباء فيروس كورونا. ولفت إلى أن تشابك العلاقات الدولية جعل لانتشار مرض ما في أي دولة حول العالم تأثيرا على الأمن الغذائي في دول أخرى، حيث يجري رفع أسعار المواد الأساسية فيها، وتواجه صعوبات تعيق تصدير هذه المواد عبر سلاسل التوريد في حال وجود إغلاقات. وأكد النعيمات ضرورة العمل على تمتين المناعة المجتمعية من خلال إيجاد نظام تطعيم وطني، وزيادة التوعية بأهمية اتباع أنماط تغذية صحية من شأنها زيادة معدلات المناعة الجامعة للمجتمع، بحيث تسود أنظمة صحية وبيئية مناسبة تمنع إعادة انتشار الأمراض المعدية. وأكدت رئيسة المركز الوطني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية الدكتورة رائدة قطب، أن المركز يقوم بالتشاور مع الوزارات المعنية المختلفة للوصول إلى بيانات وإجراء تحليل متقدم لتحديد دقه البيانات المتعلقة بالمصادر المحتملة لحدوث الأوبئة. ويجري المركز، بحسب قطب، مقارنات بين البيانات المحلية والدولية لمعرفة الوضع الوبائي المحلي والتنبؤ بحدوث الأوبئة من خلال مراجعه التقارير الوبائية الدولية، كما يربط البيانات من الوزارات المختلفة من أجل تحديد اتجاه الأمراض وتحديد بداية الموسم للأمراض السارية، خاصة التنفسية أو الإسهالات لبيان وجود أيه زيادة ملحوظة قد تشكل خطرا لحديث أوبئة. وأضافت: يجري ربط البيانات من أجل تطبيق نهج الصحة الواحدة الذي يعزز صحة الإنسان والحيوان من خلال بيئة محيطة آمنة، إضافة إلى التواصل بصفة مستمرة مع مراكز البحث العلمي المشابهة من الدول المختلفة للاطلاع على الوضع الوبائي العالمي والمخاطر التي قد تترتب عليها انتشار الأمراض السارية في الأردن. وأشارت قطب إلى أنه في الفترة السابقة، جرى الوصول إلى البيانات الخاصة بالأمراض التنفسية وتحديد أن الارتفاع الخاص بالفيروس المخلوي الذي بدأ مبكراً هذا العام، وأن عدد الحالات أعلى من معدلاتها فجرى مقارنته مع البيانات الدولية التي أظهرت وجود تطابق في النمط الموسمي المبكر للفيروس المخلوي لهذا العام. وأضافت إلى أنه جرى أيضا مراجعة البيانات الخاصة لحالات الإسهال والرصد المخبري للكوليرا في المملكة، إذ جرى الحصول على البيانات من كل من وزارة الصحة ووزارة المياه والري والجهات ذات العلاقة. ولفتت قطب إلى أن المركز وضع من خلال تحليل البيانات توصيات للشركاء مبنية على دلائل علمية لتنفيذها للحيلولة دون دخول الكوليرا إلى الأردن، ولتقلل عبء الأمراض التنفسية، مشيرة إلى أن المركز يتابع مدى تنفيذ التوصيات التي يقدمها. وأكد مدير إدارة الأوبئة في وزارة الصحة الدكتور أيمن مقابلة، من جهته، جاهزية الوزارة العالية لمواجهة الأوبئة والفاشيات، إذ كان لتجربة جائحة كورونا أثر كبير في ذلك، عن طريق تضافر الجهود على المستوى المحلي بين الوزارة والمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات والمركز الوطني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية والمنظمات الدولية في رفع الجاهزية والاستجابة للفاشيات. وفيما يتعلق بالصحة المجتمعية، قال مقابلة إن الوزارة تحرص دائما على إثراء المجتمع المحلي بالمعلومات والبيانات الدقيقة عن طريق رسائل توعوية متنوعة إيمانا منها بأهمية إشراك المجتمع المحلي لتحقيق الاستجابة المثلى للفاشيات. وتحدث المتخصص في علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، عن تأثير الأوبئة على النظم الاجتماعية والعلاقة التي وصفها بالوجودية بين الإنسان والتكيف مع المرض لأنه يحاول اتباع السبل المتاحة لمواجهة خطر الأمراض، معتبرا اليوم العالمي للتأهب للأوبئة بمثابة تذكير للناس بأهمية الوعي بطرق العدوى من الأمراض المحتملة. وأضاف: تتجلى أهمية التأهب للأوبئة بانتهاج مبدأ التكاتف الصحي الذي أوجدته ظروف جائحة كورونا، ويعني السعي لعدم الإصابة بالمرض أو نقله للآخرين، ما من شأنه التخفيف من القلق ومجموعة الأمراض النفسية المرتبطة بالجائحة. وبين الخبير الاقتصادي الدكتور مازن مرجي، أن أثر الأوبئة الاقتصادي يتناسب طرديا مع حجم انتشارها، فجائحة كورونا لقنت العالم درسا مهما في الاقتصاد واعتبرت مثالا لكيفية تأثير الأوبئة على النظم الاقتصادية بالنظر للقطاعات المتعطلة، إذ عانت معظم الدول خلال سنتين من التكاليف المباشرة للوباء التي توزعت على شؤون الرعاية والتطعيم وغيرها، وآثار الإغلاقات التي فرضتها أثناء الجائحة وتعطل معظم القطاعات الحيوية والخدمية، ما زاد الأعباء الاقتصادية التي تكبدتها تلك الدول بالنظر إلى البرامج التحفيزية للشركات والقطاعات العاملة والأفراد التي جاءت على شكل مساعدات مباشرة لهم للتخفيف من آثارها. "من الجيد أن يكون هناك يوم يركز فيه العالم على أهمية منع انتشار الأوبئة لاحتمال حدوثها على الصعيد المحلي أو العالمي"، هذه وجهة نظر استشاري الصحة العامة والأوبئة الدكتور غازي شركس، معللا سبب ازديادها في الآونة الأخيرة. وعرف الوباء بأنه "زيادة واضحة وملحوظة في عدد حالات المرض المعدي الموجودة في نطاق جغرافي معين"، مبينا أن الجائحة تحدث في معظم دول العالم تقريبا ولها مستويات محددة، وفق منظمة الصحة العالمية. وأوضح شركس أن التغير المناخي وما يسببه من ازدياد نسب الجفاف، وشح الأمطار تزيد من انتعاش ونمو الفيروسات التي قد تسبب الأوبئة، كما أن انجراف التربة بسبب العوامل البيئية قد يسبب ظهور مايكروبات مدفونة إلى السطح. وأضاف أن الغابات تلعب دورا مهما في الوقاية من حصول الأوبئة ويؤدي التغول عليها إلى خلل في المنظومة البيئية ما يوفر مساحات من شأنها أن تسهم في تكاثر الحيوانات الناقلة للأمراض، مشيرا إلى أن لزيادة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية بحيث تصبح الأخيرة بلا جدوى في محاربتها، أثرا في احتمالية حدوث الأوبئة. وزاد: أن التجمعات دون أخذ سبل الوقاية، وعدم استعمال المعقمات وغسيل الأيدي بالصابون، وتلوث الأسطح بالمايكروبات أيضا عوامل تساعد على انتشار أوبئة. ودعا شركس الأهالي إلى تعويض أبنائهم عن أي مطعوم فاتهم فترة جائحة كورونا التي أثرت على معدلات تطعيم الأطفال لمحاربة الأمراض المختلفة ضمن برنامج تطعيم منتظم ما ساهم بانتشار عدد من الأمراض من جديد، مثمنا جهود السلطات الصحة في تعويض الفجوة لإعادة السيطرة على هذه الأمراض. وأشار إلى أنه من المهم التحضير لاحتمالية حدوث أي وباء تبعا لطبيعة فصول السنة، إذ أنه من الملاحظ كثرة حدوث التهابات الجهاز التنفسي خلال فصلي الخريف والشتاء ما يوجب محاولة الوقاية منها من خلال اتخاذ إجراءات تمنع انتقال الفيروسات من شخص إلى آخر بتجنب المخالطة والعزل واستخدام الكمامات للفئات ذات الاختطار العالي والحصول على مطعوم الإنفلونزا الموسمي الذي يحد من انتشارها في المجتمع. ونصح شركس باتباع أساليب الوقاية من الأمراض المنقولة بالغذاء خاصة في فصل الصيف لما تسببه الحرارة العالية من تلف للمأكولات عن طريق شرائها من مصدر موثوق يضمن تحضيرها بطريقة سليمة والتخلص من بقاياها. وأظهرت جائحة كورونا، بحسب خبير العدوى التنفسية الدكتور محمد الطراونة، الحاجة إلى بناء أنظمة صحية قوية تستطيع مقاومة الظروف الوبائية وحماية الأرواح والمحافظة على ديمومة العمل في الدول، وأكد أن الحفاظ على الأمن الوبائي بات مهما بقدر أهمية الأمن الغذائي وغيره من القواعد الرئيسة في إدارة شؤون أي دولة، لذلك اتخذت العديد من الدول إجراءات للاستجابة السريعة والتأهب للأوبئة ومنها استحداث مراكز متخصصة لمكافحتها ورصدها والتنبؤ بها، وتخصيص مبالغ مالية تخفيفا لآثارها، داعيا إلى إنشاء مركز لمكافحة الأوبئة على المستوى العربي.
تصميم و تطوير