تقرير أيلة للاستدامة 2024: حين تصبح الاستدامة فعل ريادة ومحركا لمسؤولية جماعية
الدكتور نضال المجالي
لا يمكن قراءة تقرير الاستدامة الصادر عن شركة واحة أيلة للتطوير لعام 2024 بمعزل عن التحولات العميقة التي تشهدها مدينة العقبة، ولا عن طموحها لأن تكون نموذجا حضريا وبيئيا متقدما في المنطقة، خاصة في ظل التوجه لتسجيل محميتها الطبيعية على قائمة التراث العالمي لليونسكو. ففي هذا السياق، تتجاوز الاستدامة كونها التزاما تنظيميا لتتحول إلى مسؤولية جماعية تتطلب مبادرات ريادية تقود الطريق للآخرين.
إن إصدار تقارير الاستدامة اليوم لم يعد مجرد ممارسة توثيقية، بل أداة تأثير ومحرك تغيير. ويأتي تقرير أيلة 2024 ليؤكد هذا المعنى بوضوح، إذ يقدّم نموذجا عمليا لما يجب أن تكون عليه مساهمة الشركات والمؤسسات العاملة في مدينة ذات قيمة بيئية عالمية. فبينما تفرض المعايير الدولية التزامات متزايدة على الجميع، يبرز هنا الفكر المختلف: أن تبادر بعض الجهات بالعمل الفعلي قبل أن يصبح الأمر إلزاميا، وأن تضع المعايير موضع التطبيق لا الانتظار.
ويعكس التقرير توافقا عميقا بين رؤية أيلة وأعمدتها وسياساتها الاستراتيجية، حيث تُترجم الاستدامة إلى ممارسات ملموسة في إدارة الموارد الطبيعية، وحماية النظم البيئية البرية والبحرية، وتحسين كفاءة استخدام المياه والطاقة، وتقليل الأثر البيئي للعمليات التشغيلية. وهذه النتائج لا تخدم الشركة وحدها، بل تساهم في رفع السقف العام للأداء البيئي في العقبة، وتشكّل مرجعية يمكن البناء عليها من قبل باقي الفاعلين.
وفي بعده الإنساني، يبرز التقرير دور الموظفين كشركاء في هذا التحول، من خلال بيئة عمل قائمة على الوعي، والمشاركة، وبناء القدرات، ما يعزز ثقافة داخلية ترى في الاستدامة التزاما أخلاقيا قبل أن تكون هدفا مؤسسيا. كما يمتد الأثر إلى المجتمع المحلي عبر مبادرات تدعم التعليم، وتمكين الكفاءات الوطنية، وتعزيز الشراكات الاقتصادية المحلية.
الأهم في هذا السياق أن تقرير أيلة للاستدامة يوجّه رسالة ضمنية وواضحة في آنٍ واحد: أن الطريق نحو الاعتراف العالمي، بما في ذلك متطلبات إدراج المحميات على قائمة التراث العالمي لليونسكو، لا يُبنى بالتصريحات وحدها، بل بممارسات قابلة للقياس والتوثيق. وهنا تكمن الريادة؛ في أن تبدأ بعض الجهات بتحمل مسؤوليتها مبكرا، وتحوّل الالتزام إلى فعل.
في المحصلة، لا يقدم تقرير أيلة للاستدامة 2024 سردا لإنجازات عام واحد، بل يطرح رؤية لدور الشركات كمحرّكات للتغيير، وشركاء للأجيال، ومساهمين فعليين في منظومة عالمية تحمي المكان وتمنحه مستقبلا يستحقه.






