أزمة جديدة تهدد متحف اللوفر

{title}
أخبار دقيقة -

دخل متحف اللوفر، الوجهة الثقافية الأكثر زيارة في العالم، نفقًا مظلمًا من الأزمات المتلاحقة بعد إعلان النقابات العمالية عن إضراب مفتوح قد يغلق أبوابه أمام ملايين الزوار في موسم الأعياد، ما أثار قلق السلطات والجمهور على حد سواء.

وبحسب صحيفة لوموند الفرنسية، اجتمع الموظفون صباح اليوم الاثنين في جمعية عامة للتصويت على الإضراب، وصوتت الأغلبية لصالحه، ما أدى إلى تأخير موعد افتتاح المتحف المعتاد في الساعة التاسعة صباحًا، كما أشارت صحيفة "الغارديان” البريطانية إلى أن الإضراب قد يستمر لأيام في واحدة من أكثر الفترات ازدحامًا خلال العام.

إضراب وعاملون تحت الضغط

تأتي هذه الخطوة الاحتجاجية بعد حادثة سرقة هزت أركان متحف اللوفر في 19 أكتوبر الماضي، عندما نجحت عصابة رباعية في سرقة ثمانية من مجوهرات التاج الفرنسي بقيمة 88 مليون يورو خلال 7 دقائق فقط، قبل أن يفروا على دراجات نارية، وعلى الرغم من اعتقال أربعة متهمين، لا تزال المجوهرات مفقودة، بحسب صحيفة "الغارديان"، وأكد كريستيان جالاني، المسؤول في اتحاد العمال الفرنسي، أن السرقة كشفت عن سنوات من التقليصات في عدد الموظفين وضعف الاستثمار الحكومي في متحف استقبل 8.7 مليون زائر في العام الماضي، مضيفًا أن العاملين يشعرون اليوم بأنهم الحاجز الأخير قبل الانهيار الكامل، بعد حذف 200 وظيفة منذ عام 2015 معظمها في قطاع الأمن.

أزمات متتالية داخل المتحف

لم تكن السرقة الحادثة الوحيدة التي عصفت باللوفر، إذ تعرض المتحف في نوفمبر الماضي لتسرب مياه أضرار بين 300 إلى 400 وثيقة ومجلة وكتاب في قسم الآثار المصرية، وأُغلقت صالة تضم 9 غرف تحوي فخاريات يونانية قديمة بسبب مخاوف انهيار السقف، وفق لوموند، واعترف مسؤول أمني رفيع شارك في تحقيق أمرت به وزارة الثقافة بأنه "مذهول" من سلسلة الأعطال التي أدت إلى الكارثة، مؤكداً أن المتحف عانى هذا الكم من المشكلات رغم شهرته العالمية.

نقص الاستثمار والتقصير الأمني

أكدت وزيرة الثقافة رشيدة داتي أن التحقيق الأولي كشف عن تقليل مزمن لمخاطر السرقة ونقص حاد في الاستثمار بالتدابير الأمنية، فيما أشار المدقق الحكومي إلى أن تحديثات الأمن تمت بوتيرة غير كافية، وأن المتحف أعطى الأولوية للعمليات البراقة والجذابة بدلًا من حماية مقتنياته، وأوضح جالاني أن هذا الوضع دفع الموظفين إلى الإضراب كوسيلة أخيرة لإسماع صوتهم وحماية إرث اللوفر الثقافي.

ارتفاع أسعار الدخول وأزمة العدالة الثقافية

تصاعدت موجة الغضب مع قرار المتحف رفع سعر تذكرة الدخول بنسبة 45% للزوار من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية لتصبح 32 يورو، بدءا من يناير المقبل، بما يشمل السياح من أمريكا وبريطانيا والصين، ورأت النقابات هذا القرار "تمييزيًا غير مقبول"، معتبرة أن الزوار سيدفعون مبالغ أعلى لرؤية متحف لا يمكنهم الوصول لكل مجموعاته بسبب نقص الموظفين وإغلاق القاعات، وقال جالاني: "إنها فضيحة مطلقة أن نجعل زوارًا من جنسيات معينة يدفعون ثمن سنوات من الإخفاقات المتراكمة في متحف تتكون مجموعته من أعمال من جميع أنحاء العالم".

جهود احتواء الأزمة

في محاولة لتجنب الإغلاق مع اقتراب عطلة الكريسماس، عُقدت اجتماعات في وزارة الثقافة مع النقابات، شملت لقاء مباشر مع الوزيرة داتي، والتزمت الوزيرة بالتراجع عن خفض الميزانية بقيمة 5.7 مليون يورو في مشروع قانون المالية 2026، علمًا أن متحف اللوفر تلقى 98.2 مليون يورو من الإعانات الحكومية عام 2024. 

كما كلفت داتي فيليب جوست المسؤول عن إعادة إعمار كاتدرائية نوتردام بإجراء دراسة لإعادة تنظيم عميقة للمتحف يبدأ العمل عليها في يناير المقبل، معتبرة أن الإجراءات الضرورية تتجاوز مسائل الأمن والسلامة لتشمل إعادة هيكلة الإدارة والصيانة.

الأعباء على الإدارة وطاقم العمل

تواجه إدارة المتحف ضغوطًا هائلة مع حجم المبنى الضخم ومجموعته المتنوعة من الأعمال الفنية التي تتطلب صيانة مستمرة، وأكدت مديرة اللوفر لورانس دي كارس أن التحديات تشمل تكلفة الصيانة والموارد البشرية، مشيرة إلى أن زيارة المبنى أصبحت "محنة جسدية"، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعلان مشروع لبناء مدخل جديد للزوار وتخصيص غرفة خاصة للوحة الموناليزا لضمان سلامة الزوار وحماية الأعمال الفنية.

يعد متحف اللوفر من أبرز المتاحف في العالم، حيث يضم مجموعة فنية ضخمة تشمل أعمالًا فرعونية ويونانية ورومانية إضافة إلى لوحات عالمية من بينها لوحة الموناليزا الشهيرة، ويستقبل سنويًا ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم، ما يجعله أحد أهم الوجهات السياحية والثقافية في باريس، ومع ذلك فإن التحديات الإدارية ونقص الاستثمار الأمني والموارد البشرية أدت إلى تزايد المخاطر على مجموعاته ومصداقيته كمتاحف عالمية، وتشير تقارير الصحافة الفرنسية والبريطانية إلى أن الأزمات الحالية في اللوفر تعكس حاجة عاجلة لإعادة هيكلة شاملة تشمل تعزيز الأمن، وصيانة المباني، ورفع كفاءة الموظفين، وضمان العدالة الثقافية لجميع الزوار بما يضمن الحفاظ على إرث المتحف للأجيال القادمة.

تصميم و تطوير