الاستعلاء والاستكبار

{title}
أخبار دقيقة - كتب - م.هاشم نايل المجالي 
 الشيء الوحيد الذي يجمع عليه علماء الاجتماع والدين والثقافيون هو المنهج السياسي والسلوكي لفترة مسلك واحد لم يفارق الغرب منذ نشأته، إنه مسلك الاستعلاء والاستكبار الذي لا يزال يمثل السمة الأساسية في تعامل الغرب مع الآخر بالسيادة والهيمنة والسيطرة والاستحواذ، على حساب بقية الشعوب الأخرى التي لا تنتمي لهذه السلالة الفريدة من نوعها كما يدّعون.

حيث إن هذه النظرة بدلاً من أن تتقلّص بدأت تأخذ بالاتساع تدريجياً أكثر فأكثر، فقصة الغرب مع الدول العربية وبعض الدول الأخرى ومنذ البداية، هي قصة المحتل الغربي الذي هيمن وسيطر على بلادنا عسكرياً وسياسياً وحضارياً وثقافياً، فلم يترك لنا أي خيار، فكافة الأولويات له.

فكان للغرب التأثير السلبي والمدمر على منطقتنا، والذي ما زلنا نتجرّع مرارته حتى هذه اللحظة. حتى إنه سعى للقضاء على سَبْغة العلاقات بين الدول وفكّكها من كافة النواحي دينياً وسياسياً واجتماعياً، حتى سعى إلى تغيير العادات والقيم والمبادئ الحياتية والدينية والاجتماعية بما يتناسب مع قيمهم وأخلاقهم الاجتماعية، متلائمة مع مصالحهم الغربية الاحتلالية.

وأوجدت نظما حديثة تتناسب مع احتياجاتها وغاياتها، حتى إن بعضها بعيد كل البعد عن مضامين الإنسانية ومنفصلة كل الانفصال عن هوية الأمة وثقافتها، حيث دُشّنت جماعات سياسية ودينية بدعم خارجي ضاغط فرضت نفسها على المجتمعات الإسلامية والعربية وفق رؤى ومصالح تخصها ذاتياً؛ جماعات تقتصر وظيفتها على العبث والتخريب لإجراء فقط تسهيلات لمصالحهم الغربية.

وحيث القطب الأمريكي المهيمن مقاوم لأي حركة إصلاح فكري أو ثقافي وغيره، وعدم تطور الجيوش التي تدافع عن أوطانها، فتفكّكت كثير من الجيوش لتعود من البداية لتكون نفسها وفق منظومة محدودة للدفاع فقط، وتستثني أي أسلحة تمكنها من الهجوم إن اقتضى الأمر.

ولقد صُنِع جيل جديد من الطبقة الثقافية تحت شعار «المجددون» الذي اقتفى آثار الغرب في مسلكهم ومسارهم النهضوي يلبي مصالحهم ويحقق رسالتهم العالمية، في إشارة إلى مفهوم العلمنة الذي نشهد آثارها السلبية على كل مناحي حياتنا بما تحتويه من أفكار وسلوكيات غربية أدت بالدول إلى طريق التجزئة والتفتيت ليُبعدنا عن ذاتنا الحضارية الإسلامية والثقافية، وأصبحنا ذواتا متعددة ومتشاكسة، ولم يكن هناك أي ردة فعل اتجاه ذلك.

علينا أن نقتبس كل ما يتناسب مع ديننا وثقافتنا وقيمنا وأخلاقنا، وأن نسعى أن نحافظ عليها، فهناك من أدوات الحضارة ما يمزّقنا عندما يصبح العالم قرية تصول وتجول مع كل ما تحتويه، لا أن نكون منبهرين بتلك الحضارة والتكنولوجيا التي مزّقت مجتمعاتنا وحرفت مسار وسلوك وأخلاق شبابنا، فعلينا أن نستفيد من تلك الأدوات بما تحتاجه من علم وتكنولوجيا نافعة، وليس كل ما هو سلبي وضار، فنحن لا زلنا تحت تأثير الاستعمار الغربي بتلك الأدوات المختلفة التي يزرعها في مجتمعاتنا وحضارتنا التي نفتخر ونعتز بها، إن التبعية السلبية هي أساس المرض في جسم أمتنا العربية.

تصميم و تطوير