35 مستشارًا يتقاضون رواتبهم من منازلهم… والنواب في مأزق الثقة

{title}
أخبار دقيقة -

عدنان نصار

تصريح واحد كان كفيلًا بإشعال الجدل مجددًا حول واقع مؤسساتنا العامة، حين أعلن النائب فراس القبلان أن في مجلس النواب الأردني 35 مستشارًا يتقاضون رواتبهم وهم في منازلهم.
هذا الرقم الصادم لا يعبّر فقط عن خلل إداري، بل يكشف عن نمط متجذر من المحسوبيات والتنفيعات التي تنخر جسد المؤسسات الرسمية، وتُضعف ثقة الناس بمن يُفترض أنهم حُمَاة المصلحة العامة وصوت المواطن أمام السلطة التنفيذية.

أن يأتي هذا التصريح من داخل المجلس نفسه، فذلك يعني أن الترهل لم يعد مجرد انطباع شعبي أو حديث مقاهٍ، بل حقيقة يعرفها الجميع ويتغاضى عنها البعض. فكيف لمجلس يُفترض أنه الرقيب الأول على الأداء الحكومي، أن يعجز عن تنظيف بيته الداخلي من مظاهر الفساد الإداري والوظائف الشكلية التي باتت عبئًا على المال العام؟

مجلس النواب، الذي يُفترض أن يكون نموذجًا للانضباط والمساءلة، يجد نفسه اليوم أمام اختبار حقيقي للشفافية والمصداقية.
فالمستشارون في أي مؤسسة محترمة يُعيَّنون لتقديم المشورة والرأي والدراسة، لا ليكونوا ألقابًا على الورق ورواتب بلا حضور أو إنتاج.
وجود 35 مستشارًا لا يؤدّون عملاً فعليًا يفتح الباب على مصراعيه للتساؤلات:
من عيّنهم؟ ما هي خبراتهم؟ ما المهام التي كُلّفوا بها؟ ومن يراقب التزامهم؟وهل حقا يقومون بواجباتهم الوظيفية.؟

 

هذه الأسئلة لا يمكن أن تبقى معلّقة أو تُجاب بتصريحات تبريرية. لأن القضية لم تعد مجرد تفاصيل إدارية، بل تمسّ جوهر الثقة بين المواطن ومؤسسة البرلمان.
فالناس تنظر إلى مجلس النواب باعتباره رمزًا للرقابة والنزاهة، وحين يتسرّب إليه منطق "التنفيع”، ينهار المثال وتترسخ قناعة بأن الوظائف في بلدنا لا تُمنح بالكفاءة بل بالعلاقات.

 

ففي وقتٍ يعاني فيه آلاف الخريجين واصحاب الخبرة، من البطالة، ويغادر الشباب إلى الخارج بحثًا عن فرصة تحفظ كرامتهم، يبدو مشهد "المستشارين الغائبين” استفزازيًا ومؤلمًا.
كيف يمكن إقناع المواطن العادي بجدوى سياسات التقشف وشعارات العدالة والمساواة، بينما تُوزّع المناصب داخل مؤسسات الدولة على المقربين والموالين دون أي التزام بحدٍّ أدنى من الكفاءة؟

 

المشكلة ليست في الأسماء بقدر ما هي في العقلية التي تدير المؤسسات؛ عقلية تعتبر الوظيفة العامة وسيلة للمكافأة أو الترضية السياسية، لا مسؤولية وطنية.
ولذلك، فإن التصريح الذي أدلى به القبلان يجب ألا يُترك يمر مرور الكرام، بل أن يتحول إلى منعطف حقيقي في محاسبة الذات المؤسسية، وإعادة النظر في طريقة التعيين داخل مجلس النواب وسائر مؤسسات الدولة.

 

الكرة الآن في ملعب رئاسة المجلس والأجهزة الرقابية، فإما أن تُفتح الملفات بشفافية ويُعلن للرأي العام عن الحقائق كاملة، وإما أن يبقى الصمت عنوان المرحلة.
فمجلس النواب الذي يطالب الحكومة بالشفافية والمساءلة، مطالبٌ قبل غيره بأن يُطبق ذلك على نفسه.
والمواطن الذي يراقب بصمت، ينتظر خطوة تعيد إليه شيئًا من الثقة المفقودة، وتؤكد أن المال العام ليس مشاعًا لمن لا يعمل.

 

لقد ملّ الناس التصريحات المنمقة والبيانات المكررة، ويريدون فقط أن يعرفوا:
من يتقاضى راتبه وهو في البيت؟ ومن يعمل حقًا لخدمة الوطن؟

تصميم و تطوير