دونالد ترمب وجائزة نوبل.. حلم لرئيس يسعى إلى العرش الدولي لا إلى السلام

{title}
أخبار دقيقة -

عدنان نصّار

يبدو أن السعي نحو جائزة نوبل للسلام صار لدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب أكثر من مجرد رغبة في تكريم شخصي؛ بل تحوّل إلى هدفٍ استراتيجي ضمن مشروعه لإعادة بناء صورته الدولية وإثبات مكانته كزعيم عالمي ،يسعى الى كرسي العرش الدولي ، لا يكتفي بالسلطة السياسية، بل يطمح إلى الشرعية الأخلاقية أيضاً.

في الأشهر الأخيرة، تكثفت الإشارات المحيطة بترمب عن قرب ترشيحه للجائزة، في ظل محاولات لتسويق مبادرات دبلوماسية يُراد لها أن تبدو مؤهلة لنيل الاعتراف الدولي.. غير أن هذا المسار يبدو محاطاً بتناقضاتٍ صارخة بين الخطاب والممارسة، وبين فكرة "صانع السلام” وصورة الرئيس الذي اعتاد لغة القوة والتحدي ، و”الفيتو” المتكرر لإستمرار النزف النزف في غزة .

فمنذ دخوله الحياة السياسية، قدّم ترمب نفسه كـ"رجل صفقات” لا كرجل مبادئ، واختار الحلول المباشرة والسريعة على حساب التفاهمات العميقة والمستدامة. لم يكن يوماً من أنصار الدبلوماسية الهادئة أو الحوار المتوازن، بل من دعاة "الضغوط القصوى” التي تُخضع الخصوم على طريقة "حلبات المصارعة” ، لكنها نادراً ما تصنع سلاماً دائماً.

رغبته في نيل جائزة نوبل ليست جديدة، فقد لوّح بها مراراً، واعتبرها في أكثر من مناسبة "حقاً مسلوباً” بعد أن فاز بها سلفه باراك أوباما عام 2009. لكنه يتناسى أن الجائزة لا تُمنح على أساس الخطابات الحماسية أو الصفقات المؤقتة، بل تُمنح لمن يغيّر وجه العالم نحو مزيد من العدالة والتفاهم الإنساني.

اتفاقات "أبراهام” التي رعتها إدارته السابقة عام 2020، والتي تُروّج اليوم كإنجاز دبلوماسي بارز، لم تحقق سلاماً فعلياً بقدر ما كرّست شكلاً جديداً من التطبيع بين أنظمةٍ سياسية، بينما ظل جوهر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بعيداً عن الحل.. إنها اتفاقات سياسية أكثر منها إنسانية، وربما تفتح بوابات التجارة لكنها لم تفتح بعد نوافذ العدالة.

 مواقف ترمب من القضايا المناخية والهجرة وحقوق الإنسان لا تنسجم مع روح الجائزة. فهو الذي انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وشدّد سياسات الهجرة إلى حدّ فصل الأطفال عن ذويهم على الحدود، وأطلق خطاباً داخلياً قسّم الأميركيين أكثر مما وحّدهم. فكيف لرئيسٍ بهذا السجل أن يكون "رمزاً للسلام العالمي”؟

اللافت أن بعض الجهات اليمينية في أوروبا وأميركا هي من تروّج لترشيحه، لا انطلاقاً من تقييم إنساني شامل، بل من انسجامٍ سياسي أو أيديولوجي مع رؤيته القومية المحافظة ، وهو ما يجعل الجائزة، إن حصل عليها، مكافأة لنهجٍ سياسي أكثر منها اعترافاً بجهدٍ إنساني عالمي.

جائزة نوبل، منذ نشأتها، لم تكن تاجاً على رؤوس الأقوياء، بل وساماً يعلّق على صدور من نذروا أنفسهم لبناء جسورٍ بين الشعوب. وهي لا تُمنح لمجرّد تحقيق هدنة أو توقيع صفقة، بل لمن يترك أثراً في الوجدان الإنساني.

إن ترمب، في سعيه نحو نوبل، يبدو كمن يبحث عن وسيلة جديدة لتكريس ذاته في التاريخ، لكن التاريخ لا يخلّد الطامحين إلى الجوائز، بل من يصنعون السلام بمعناه العميق: سلام العدل، والمساواة، والكرامة الإنسانية.

يبقى السؤال إذن: هل يسعى الرئيس الأميركي إلى بناء سلامٍ حقيقيٍّ ومستدام، أم إلى بناء مجدٍ شخصيٍّ جديد؟

الإجابة، حتى الآن، تشير إلى أن الحلم بجائزة نوبل سيظل بعيد المنال لرئيسٍ ما زال يرى في القوة طريقاً إلى المجد، لا في السلام طريقاً إلى الخلود.

كاتب وصحفي أردني

تصميم و تطوير