“جورة اربد”.. من مشروع تطوير إلى مقبرة للوعود
عدنان نصار
تحوّلت "الجورة” في إربد من مشروع حسبة جديدة بُشِّر به الناس على أنه خطوة لتحديث وسط المدينة، إلى شاهد صامت على فشل إداري وتصفية حسابات سياسية. لم تعد الحفرة الترابية التي اتُّخذ قرار بطمرها مؤخراً مجرد أثر لمشروع متعثر، بل رمزاً شعبياً يتردّد في المقاهي والشوارع كعنوان للإهمال، ومثلاً على مشاريع تُولد في دفاتر الوعود وتموت قبل أن ترى النور.
المشروع الذي أُطلق قبل نحو عقد حمل في بداياته وعوداً كبيرة: سوق منظم يخفف الضغط عن السوق القديم، أماكن لائقة للباعة، وحركة تجارية أكثر تنظيماً في قلب المدينة. العقود وُقعت، والمخططات الهندسية صودق عليها، والوزارة نفسها اطّلعت على تفاصيل المشروع وأعطت الضوء الأخضر للمباشرة. لكن سرعان ما دخلت الحسابات السياسية والبيروقراطية الثقيلة لتثقل كاهله، ثم جاء قرار البلدية بطمر "الجورة” نهائياً بذريعة أنه غير مجدٍ اقتصادياً. ذرائع وُصفت على نطاق واسع بأنها واهية، بل أقرب إلى غطاء لتدخل متعمد لإفشال المشروع بعدما تحوّل إلى ورقة مزعجة في العلاقة بين الوزارة والبلدية.
أعضاء في مجالس بلدية سابقة لم يخفوا غضبهم، وذهب بعضهم إلى القول إن ما جرى ليس سوى عملية "اغتيال سياسي” لمشروع كان يمكن أن يشكل نقلة نوعية في المدينة. أحدهم صرّح: "الوزارة لم تفاجأ بالمخططات، كانت على علم بكل تفاصيل المشروع منذ البداية، واليوم تأتي لتقول إنه غير مجدٍ، هذا القرار لا يمكن وصفه إلا بمحاولة لتصفية حسابات على حساب المدينة وأهلها”، فيما يرى آخرون أن سوء الإدارة وغياب الدراسات المتعمقة كانا كافيين لجر المشروع نحو الفشل.
وبينما تنشغل لجنة بلدية إربد بمشاريع تجميلية تلميعـية تركّز على الشكل دون المضمون، يظل الباعة الذين كانوا ينتظرون محلات منظمة يعودون إلى شوارع ضيقة ومكتظة، والمواطن الذي حلم بسوق حديث يجد نفسه من جديد محاصراً بالعشوائية والفوضى. قرار طمر "الجورة” بالنسبة لهؤلاء ليس مجرد إجراء فنّي، بل رسالة واضحة بأن أرزاقهم وأحلامهم يمكن أن تُدفن تحت ركام الحسابات السياسية.
قصة الحسبة ليست حادثة منفصلة، بل انعكاس لطريقة إدارة المشاريع التنموية في البلاد. فحين تغيب الرؤية، وتُقدَّم المصالح الضيقة على حاجات الناس، تتحول المشاريع إلى منصات للمناكفات لا أدوات للتنمية. السؤال الذي يطرحه أهل إربد اليوم هو: هل كانت "الجورة” ضحية دراسات ناقصة، أم أنّها أُعدمت عمداً بقرار حكومي /وزارة الإدارة المحلية/ لإفشالها رغم الاطلاع المسبق على كل تفاصيلها؟ أياً تكن الإجابة، تبقى الحقيقة المرّة أن مشروعاً وُعد به المواطنون كنافذة أمل، انتهى إلى أن يكون شاهداً على طمر ثقة الناس بالوعود الرسمية، قبل أن يكون حفرة تنتظر أن تُردم بالتراب.
والأشد مرارة أنّ التفكير بالطمر لم يكن لحفرة ترابية فقط، بل لأحلام بسطاءٍ كانوا يعلّقون رزقهم ومستقبل أبنائهم على حسبة حديثة. هؤلاء الباعة الذين يعودون كل صباح إلى أرصفة مكتظة وأسواق عشوائية هم الشاهد الحي على أن "الجورة” لم تُدفن بعد، لكنها تحمل في عمقها شهادة دفن أمل مدينة كاملة..!






