بفارق مئة ونيّف

{title}
أخبار دقيقة - كتب ـ بشار جرار 
 لا زالت الأرقام تستهوي البشر على اختلاف الحضارات والأزمنة والأماكن. ثمة سحر فيها بلغ لدى المولعين بفك تشفيرها وحل طلاسمها ما ولّد الكثير من نظريات المؤامرة والخزعبلات وأضغاث الأحلام.

لكنها بعيدا عن قرّاء الأرقام والحروف والكفوف، تبقى الأرقام ذات دلالة إحصائية على الأقل. فكل رقم يحفظ خانة وليس بالضرورة مركزا. الفاصلة والبعد والقرب عنها يمينا وشمالا يعطي للصفر وسائر الأرقام قيمة.

الأسبوع الماضي، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار ذكّرنا بقرار أممي آخر عن القضية عينها صدر عما هو أهم منها من حيث الفاعلية، ألا وهو مجلس الأمن الدولي.

القضية هي القضية الفلسطينية، قضية قضايا الشرق الأوسط، قضية المؤمنين بالرسالات السماوية كافة. صدر القرار الأخير بواقع 142 صوتا لصالح الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية المنشودة. بفارق مئة، صدر قبل زهاء نصف قرن ونيّف تحديدا في الثاني والعشرين من نوفمبر 1967 القرار رقم 242 عن مجلس الأمن الدولي، وأوقع مترجم -عن حسن أو سوء نية- العالم كله في أخذ ورد على الانسحاب الإسرائيلي من «الأراضي» أو «أراض» احتلتها في حرب الخامس من حزيران 1967 فيما عرف بالنكسة..

لم تبدأ القضية بالنكبة عام 1948، فجذور الصراع بأبعاده الدينية والسياسية والتاريخية ترجع في رواية إلى عقود مضت، وفي رواية أخرى أكثر صحة ودقة، ترجع إلى قرون خلت.

ما من صاحب عقل أو ضمير سويّ إلا ويدرك في قرارة نفسه أن الله سبحانه حرم القتل والظلم، الاستعباد والاستغلال. يدرك ويؤمن كل بالغ عاقل راشد أن خالق الخلق أجمعين، هو رب الناس كافة، هو السلام في اسمه وذاته وصفاته، سبحانه.

فهل ينصت من عارضوا القرار وامتنعوا وغابوا عن التصويت (من بينهم إيران)، وحتى من قاموا بالتصويت لصالح هذين القرارين، قرار إنهاء الاحتلال وقرار إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة غرب نهر الأردن، هل يدركون ما أرسلته المئة الفارقة من رسائل للإفاقة وللخلاص من الحروب وويلاتها؟ القضية الحقيقية هي الإنسان.. السماء وحدها التي تمنح القداسة للأرض التي ما كانت ولن تكون يوما في أي من الشرائع على حساب حرمة الدماء التي عصمها الله بمحبته وحكمته وقوته. مئة فارقة، تصحو فيها الضمائر فتلبي القلوب النداء قبل العقول. السلام يبدأ من الذات ولا ينتهي بها أبدا..

تصميم و تطوير