جنى عياد.. طفلة تُصارع الموت خلف جدران الحصار على غزة

{title}
أخبار دقيقة -

في غرفة صغيرة بمستشفى غزة، تنكمش جنى عياد، الطفلة ذات الأعوام الثمانية، ملتفةً على نفسها، تحجب وجهها النحيل بيديها، تبكي أحيانًا وتنادي والدها العالق خارج القطاع منذ اندلاع الحرب قبل 23 شهرًا، لم تعد تملك سوى أمل واحد: إخلاء طبي عاجل ينقذ حياتها.

بدأت مأساة جنى بحسب ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية يوم الجمعة، مع سوء تغذية حاد، سرعان ما تطور إلى مضاعفات خطيرة مثل الحماض، وهو خلل يهدد حياتها لأن جسدها لم يعد قادرًا على ضبط توازن الحموضة، جسدها الضعيف أخذ ينتفخ، ووزنها انخفض إلى تسعة كيلوغرامات فقط، وفقدت القدرة على المشي، تساقط شعرها، وانطفأت ابتسامتها.

عجز الأطباء

تقول والدتها نسمة وهي تبكي: "قال لي الطبيب: قد تفقدينها في أي لحظة".. كلمات ثقيلة تعيد إلى ذاكرتها مأساة ابنتها الصغرى جوري، التي فارقت الحياة قبل شهرين بعد مرض غامض، تخشى نسمة أن يتكرر المصير ذاته مع جنى.

الأطباء في قطاع غزة عاجزون أمام نقص الأدوية والتجهيزات، ويصف الدكتور مصعب فروانة، أحد أطبائها، الوضع بمرارة: "نحاول إبقاءها على قيد الحياة بما لدينا، لكن دون إجلاء عاجل، سنفقدها"، جنى تحتاج إلى فحوص متقدمة وحليب طبي خاص غير متوفر، فيما تتضاءل الخيارات يوماً بعد يوم.

حصار وتعنت

لكن الطريق إلى العلاج خارج غزة مغلق بأبواب البيروقراطية والسيطرة الإسرائيلية على المعابر، ومنذ أسبوعين، قُدّم طلب لإخلائها مع عشرة أطفال آخرين، لكن إسرائيل وافقت فقط على حالتين، أما جنى فما زالت تنتظر، فيما تقول السلطات الإسرائيلية إنها لم تتلق أي طلب بشأنها.

تكرار هذا المشهد مأساة متجددة، فبحسب وزارة الصحة في غزة، هناك أكثر من 16 ألف مريض ينتظرون تحويلًا للعلاج في الخارج، ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن وتيرة الإجلاء بطيئة إلى حد قد يجعل استكمال القائمة يستغرق عقدًا كاملًا، خلف هذه الأرقام تختبئ قصص إنسانية مريرة كقصة جنى.

الطفلة التي كانت تحلم بأن تصبح طبيبة أسنان "لتمنح والدتها ابتسامة جميلة"، أصبحت اليوم عاجزة حتى عن الإمساك بلعبة أو قلم تلوين، يوم الثلاثاء الماضي، نظرت إلى أمها وسألتها بصوت متهدج: "هل سأموت الآن؟" لم تجد الأم ولا الطبيبة إجابة.

رغم أن قصة جنى تصدرت وسائل الإعلام منذ أكثر من عام ونصف، ورغم صرخات أسرتها، ما زالت تنتظر موافقة لم تأتِ بعد، كل يوم يمرّ يقربها أكثر من حافة الموت، فيما تشعر أمها أن نداءاتها تتبدد في الفراغ: "لماذا لا يستطيع أحد إنقاذ ابنتي؟ لماذا يُترك الأطفال هنا ليموتوا ببطء؟".

يأتي وضع جنى في سياق إنساني مأساوي أوسع يعيشه قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2022، والتي أسفرت عن أكثر من 150 ألف جريح بحسب وزارة الصحة، وأدت العمليات العسكرية وتدمير البنية التحتية إلى انهيار المنظومة الصحية، بينما ترك الحصار الممتد على القطاع الأطباء بلا أدوية أو معدات، وأكدت تقارير أممية أن غزة تواجه حالة مجاعة بفعل القيود المفروضة على المساعدات، وأن آلاف المرضى، بينهم أطفال، ينتظرون الإجلاء الطبي دون جدوى، وحذرت منظمة الصحة العالمية مرارًا من أن البطء في تحويل المرضى للخارج يهدد حياة الآلاف، ويُشكل انتهاكًا صارخًا للحق في الصحة المكفول بموجب القانون الدولي الإنساني.

تصميم و تطوير