الهوية الوطنية الأردنية: خط الدفاع الأول في معركة الأمن القومي
عدنان نصار
في منطقة مشتعلة بالصراعات والتحولات، ظلّ الأردن يتمسّك بمعادلته الأصعب: دولة صغيرة جغرافياً، محدودة الموارد، لكنها غنية برصيدها الاستراتيجي الأهم، وهو هويتها الوطنية الجامعة. هذه الهوية لم تكن مجرد شعار، بل كانت على الدوام درعاً يحمي الاستقرار، ويحصّن الجبهة الداخلية في وجه العواصف الإقليمية المتلاحقة.
منذ نشأة الدولة الأردنية الحديثة، شكّلت الهوية الوطنية ركيزة أساسية للاستقرار السياسي والاجتماعي..فقد وُلدت الدولة الأردنية في بيئة إقليمية مضطربة، لكنها استطاعت أن تبني لنفسها هوية جامعة تستند إلى شرعية سياسية متوارثة ، وإلى عقد اجتماعي غير مكتوب لكنه يقوم على التوازن بين مكونات المجتمع من بدو وفلاحين وحضر ولاجئين.
السياسات الوطنية منذ الأربعينيات وحتى اليوم عملت على تثبيت هذه الهوية عبر محورين: الأول هو تعزيز الانتماء للدولة باعتبارها المظلّة الحامية، والثاني هو إدارة التعددية السكانية الناتجة عن موجات اللجوء المتعاقبة..فالأردن احتضن الأشقاء الفلسطينيين بعد نكبة 1948 ونكسة 1967، ثم العراقيين بعد 1991 و2003، وأخيراً السوريين بعد 2011، وبالرغم من الضغوط الاقتصادية والسياسية ظلّ حريصاً على إبراز صورته كدولة مستقرة وسط العواصف.
لكن هذه الهوية الوطنية ليست بمعزل عن التحديات ، فمن الداخل، يواجه الأردن فجوة متنامية بين الدولة والمجتمع، خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الثقة بالمؤسسات ، ومن الخارج، يظل الأردن تحت ضغط معادلات إقليمية معقدة: الصراع الفلسطيني–
الإسرائيلي، طموحات "إسرائيل الكبرى”، التغيّرات في الإقليم، والأدوار المتشابكة للقوى الدولية. هذه العوامل تجعل من الهوية الوطنية الأردنية خط الدفاع الأول عن كيان الدولة.
ما يميز التجربة الأردنية أن الهوية لم تُبنَ على أساس قومي ضيق، بل على مبدأ "المواطنة الجامعة” الذي يتجاوز الأصول والمنابت. ومع ذلك، فإن الخطاب السياسي الرسمي كثيراً ما يجد نفسه مضطراً للتذكير بهذه الوحدة في مواجهة محاولات التشكيك أو التفتيت. فالهوية هنا تتحول من مجرد شعور وجداني إلى أداة سياسية لحماية الاستقرار.
اليوم، يحتاج الأردن إلى إعادة تعريف أولوياته في ضوء التحولات الإقليمية: تعزيز دور الشباب في الحياة السياسية، صياغة سياسات اقتصادية أكثر عدالة، وتحويل مفهوم الهوية الوطنية من شعارات تُستحضر في المناسبات إلى برنامج عمل يُترجم في مؤسسات الدولة وفي علاقة المواطن بوطنه.
الهوية الوطنية الأردنية ليست مجرد قضية ثقافية أو اجتماعية، بل هي ركيزة من ركائز الأمن القومي الأردني ، فتماسك الجبهة الداخلية، واستقرار العقد الاجتماعي، يمثلان خط الدفاع الأول أمام الضغوط الإقليمية والمشاريع التوسعية. وكلما ازدادت متانة الهوية الوطنية، ازدادت قدرة الأردن على حماية حدوده السياسية والجغرافية، وصون دوره الإقليمي كدولة وسطية تسعى إلى الأمن والاستقرار.
إن التمسك بالهوية الوطنية الأردنية ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية. فالدولة التي تحصّن جبهتها الداخلية بالوعي والانتماء، قادرة على مواجهة كل عاصفة.
الأردن، وهو يواجه تحديات غير مسبوقة، مطالب اليوم بأن يجعل من هذه الهوية مشروعاً وطنياً متجدداً، تتشارك في صياغته الدولة والمجتمع معاً، ليظل الوطن أقوى من الأزمات وأكبر من الضغوط.






