"المروحة الوطنية"... عندما يتصبب المواطن عرقًا تحت موعظة الترشيد المبردة #عاجل
أخبار دقيقة -
كتب _ فايز الشاقلدي
في مشهد لا يختلف كثيرًا عن مسرح العبث، وقف أحد الوزراء في حكومة جعفر حسان تحت برودة مكيف نيابي تصل حرارته إلى 20 درجة مئوية، ليلقي علينا خطبة عصماء عن "ترشيد الطاقة"، ويحثنا كمواطنين على التخلي عن المكيفات واستخدام المراوح، وكأننا نعيش جميعًا في قمم جبال الألب، لا في قلب صيف أردني يلتهب فيه الإسفلت وتبخر فيه الوعود.
الوزير، الذي لم يرتجف له رمش وهو يوجه النصيحة من تحت تيار تبريد مركزي قادر على حفظ الأسماك، تحدث عن ضرورة "الوعي المجتمعي" في استهلاك الكهرباء، متناسياً أن الوعي الحقيقي يبدأ من عند من يملكون مفاتيح القرار، لا من عند المواطن الذي يختنق في شقته المتواضعة بانتظار ساعة ماء وأمبير كهرباء( عن المحافظات أتحدث)و لا يسعفه حتى لتشغيل مروحة واحدة على "الوضع الهادئ".
وللمفارقة، وبينما كان المواطن يستمع للتوجيهات التي تشبه "خطة طوارئ لصيف لاهب وموجات حر مرهقة قادمة"، كانت أضواء بيت معاليه تلمع كمدينة ملاهٍ، من الواجهة الأمامية حتى باب الكراج في مدينة السلط ، وتغفو مكيفات منزله على وسادة الطاقة المدعومة، وكأنها في رحلة استجمام طويلة لا تعرف معنى الترشيد الذي ينادي به.
نحن لا نطالب الوزير بأن يعيش مثلنا في شقة من ثلاث غرف ونصف وبلكونة شرقية مستأجرة، لكننا نرجوه فقط أن يتحدث إلينا من خارج منطقة الراحة، أن يشعر بحرّ الصيف كما نشعر به، قبل أن يُملي علينا دروس التقشف "الطاقي" من فوق عرش التبريد النيابي والمنزلي، لأن النصيحة إن لم تأتِ من بيئة التجربة، تظل مجرد كلمات مفرغة، تُستهلك كالكهرباء في صالون حكومي مضاء طوال النهار.
نعم، نحن مع الترشيد، ولكن ليس على طريقة "اشربوا ماء البحر" ممن يملكون الآبار. نريد ترشيدًا يبدأ من الوزارات والقصور والمباني الحكومية، من أسطول السيارات المكيّف والمكاتب الفخمة التي لا يدخلها المواطن إلا بتصريح، وليس من غرفة المواطن التي بالكاد تحتمله هو وأحلامه المؤجلة.
في النهاية، يبدو أن المروحة التي ينصح بها الوزير ليست مجرد وسيلة تبريد... بل أداة رمزية يُراد لها أن تشتّت انتباهنا عن حرارة الواقع، وأن تلهينا عن الأسئلة الحقيقية التي تحتاج إلى "رياح سياسية" لا تهب من مكيفات المجلس، بل من ضمير الخدمة العامة.
فشكرًا لمعاليه، ونعده بأننا سنستخدم المروحة... ولكن فقط عندما نشعر بأن الهواء الذي يهب علينا من الحكومة نقيٌ وعادلٌ، لا محمّلٌ بسخرية باردة.






