السمردلي يكتب:تحول أحزاب إلى واجهة شكلية ديكورية أحد أبرز أسباب فشلها السياسي(٣٦/٣٤)

كتب ـ فادي زواد السمردلي
ماذا يعني تحول أحزاب إلى واجهة شكلية ديكورية؟
تعتبر الأحزاب السياسية من الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي، فهي تمثل حلقة الوصل بين المواطن وصانع القرار، كما تسهم في تنظيم عملية المشاركة السياسية من خلال تقديم رؤى وأفكار جديدة ومع ذلك، في بعض البلدان، نجد أن عدد من الأحزاب تتحول إلى مجرد واجهة شكلية لا تحمل أي تأثير فعلي في مجريات السياسة الداخلية أو في التأثير على القرار السياسي وهذه الظاهرة تشير إلى خلل جوهري في طبيعة العلاقة بين الأحزاب والمجتمع، وتنذر بتآكل الثقة في النظام السياسي ككل.
أحد أبرز الأسباب التي تجعل الأحزاب السياسية تقتصر على دور ديكوري، هو غياب المشروع السياسي الحقيقي فعندما تنفصل الأحزاب عن واقع المجتمع، تصبح الأحزاب مجرد كيانات شكلية لا تهتم بتطوير حلول عملية للمشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطنون وفي هذا السياق، تصبح الشعارات التي ترفعها الأحزاب خالية من المضمون، ولا تحمل أي أبعاد قابلة للتنفيذ على الأرض فعلى سبيل المثال، قد نجد حزباً يرفع شعار "العدالة الاجتماعية” ولكن دون أن يحدد خطوات واضحة لتنفيذه، مما يجعل الناس يتساءلون عن مدى جدية الحزب وقدرته على تحقيق هذه الأهداف فعندما تقتصر الأحزاب على الشعارات فقط، تفتقد إلى القدرة على التأثير في الحياة السياسية وتتحول إلى كائنات سياسية بلا روح.
انفصال القيادة الحزبية عن قواعدها فتصبح القرارات التي يتم اتخاذها في أعلى هرم الحزب بعيدة كل البعد عن تطلعات الأعضاء أو المواطنين العاديين وفي كثير من الأحيان، تكون القيادة السياسية في الأحزاب قد اتخذت شكلًا نخبويًا لا علاقة له بالطبقات الشعبية التي كان من المفترض أن يمثلها الحزب وهذه الفجوة بين القاعدة الشعبية والقيادة الحزبية تضعف من تأثير الحزب، وتجعل من مشاركته في الحياة السياسية مجرد شكل من أشكال "التجميل” السياسي وفي حالات أخرى، تتحول هذه القيادات إلى "حاكمين” يعزلون أنفسهم عن بقية الحزب، ويفقدون أي اتصال حقيقي مع الأفراد الذين كانوا في البداية من المفترض أن يكونوا جزءاً من القرار السياسي.
من أسوأ مظاهر تحول الأحزاب (التي تقبل على نفسها )إلى كيانات شكلية هي استخدامها كأداة للتجميل الرمزي داخل النظام السياسي، سواء في سياقات الانتخابات أو الحوارات السياسية وفي مثل هذه الحالات، لا يكون للحزب أي صلاحيات حقيقية لتغيير مسار السياسات أو التأثير في القرارات الوطنية، بل يُستخدم الحزب كأداة لإظهار الديمقراطية الشكلية فالأحزاب التي تجد نفسها في هذا الموقف تصبح جزءًا من آلية الحكم ولا تسهم في إنتاج الحلول أو المواقف السياسية وهذه الأحزاب تكون مجرد "أدوات” تُعرض أمام الجمهور لإظهار أن النظام السياسي قد أتاح مساحة للتعددية، بينما في الواقع فإن دورها لا يتعدى أن يكون شكلياً، دون تأثير حقيقي على السياسات العامة.
من السمات الأخرى التي تساهم في فشل الأحزاب السياسية وتحوّلها إلى واجهة شكلية هو ترددها في اتخاذ مواقف حاسمة فالأحزاب التي تخشى اتخاذ مواقف جريئة قد تفقد قدرتها على التأثير في الحياة السياسية، حيث تصبح حبيسة المواقف الرمادية التي لا تضر ولا تنفع وهذا التردد يمكن أن يكون نتيجة لضغوط خارجية من قوى السلطة، أو نتيجة لهواجس داخلية مثل الخوف من فقدان الامتيازات السياسية أو الاقتصادية فالأحزاب التي تساير السلطة ولا تنتقد سياساتها تصبح غير قادرة على تقديم أي حلول جديدة أو مواجهة التحديات التي تواجهها المجتمعات.
من الجوانب التي تساهم في تحول الأحزاب إلى كيانات شكلية هو ضعف بنيتها التنظيمية فالأحزاب التي لا تجد سبيلًا للتجدد أو تطوير كوادرها، غالباً ما تفقد القدرة على استقطاب شباب الجيل الجديد أو تبني أفكار جديدة فهذه الأحزاب تتعثر في التجديد التنظيمي والفكري، مما يجعلها عاجزة عن التأثير في الواقع السياسي أو التفاعل مع المتغيرات التي تطرأ على المجتمع. فقدان الطاقة التنظيمية يعني أن الحزب يصبح مجرد مؤسسة فارغة، موجودة فقط للاحتفاظ بمكانتها الاجتماعية والسياسية دون أن يكون لها أي دور حقيقي في توجيه السياسات العامة.
الأحزاب التي تتعرض للتهميش من قبل السلطة التنفيذية، تجد نفسها في موقف صعب للغاية فيتم تقييد دورها عبر قوانين معقدة وفي مثل هذه الحالات، تصبح الأحزاب مجرد أدوات ، وتفقد قدرتها على المساهمة في الحياة السياسية بشكل مستقل وهذا التهميش يقضي على فاعلية الحزب ويحولها إلى مجرد كيان ديكوري بدلاً من أن يكون قوة سياسية .
في نهاية المطاف، يتحول الحزب إلى واجهة شكلية عندما يفقد ثقة الجمهور فإذا شعر المواطنون أن الأحزاب لا تمثلهم أو لا تسعى لتحقيق مصالحهم، فإنهم يتخلون عن الانخراط في العملية السياسية وهذه الخيبة تؤدي إلى عزوف جماهيري عن المشاركة في الأنشطة الحزبية، مما يجعل الأحزاب تفقد أي شرعية أو تأثير في المجتمع. وهكذا، تتحول الأحزاب من كيانات حيوية، تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسات وصناعة القرارات، إلى مجرد أسماء لا يعبأ بها أحد.
يؤدي تحول الأحزاب إلى واجهة شكلية إلى إضعاف الحياة السياسية وتقليص دور المواطن في تشكيل القرارات العامة وبدون الأحزاب التي تمتلك برامج سياسية حقيقية وتنظيمات قوية، يصبح النظام السياسي أكثر عرضة للاستبداد والفساد إذن، من الضروري أن تسعى الأحزاب إلى إعادة تأسيس نفسها بشكل يتوافق مع مطالب المواطنين وأولوياتهم، والعمل على تجديد رؤيتها وتنظيماتها حتى تتمكن من العودة إلى دورها الريادي في المجتمع وفي حال استمرار هذه الظاهرة، فإن مستقبل الحياة السياسية يظل غامضًا، ويهدد بانهيار الثقة في المؤسسات السياسية برمتها.
الكاتب من الأردن