نتنياهو يُبقي حالة الغموض بشأن إمكانية التوصل إلى هدنة في غزة

تحت عنوان "في واشنطن.. يُبقيبنيامين نتنياهوحالة الغموض قائمة بشأن إمكانية التوصل إلى هدنة في غزة”، قالت صحيفة "لوموند” الفرنسية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، العارف بشغف دونالد ترامب بالتكريمات الرفيعة، رأى في تقديم هدية للرئيس الأمريكي، تتمثل برسالة تطالب بترشيحه لجائزة نوبل للسلام، خطوة لا يمكن أن تضرّ به، في وقت تحاول فيه الدبلوماسية استعادة دورها بشأن ملفين في الشرق الأوسط: استئناف الحوار بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الإيراني، بعد أقل من شهر على الهجوم الإسرائيلي الأمريكي على الجمهورية الإسلامية، والسعي للتوصل إلى هدنة في غزة.
إشارات متناقضة من داخل إسرائيل زادت من حالة الالتباس. فقد أعلن وزير الدفاع أنه أعطى تعليمات للجيش بوضع خطة لإنشاء "مدينة إنسانية” على أنقاض رفح
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه بعد استئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و”حماس” في الدوحة، هذا الإثنين، ما تزال الهدنة التي يُلحّ عليها الرئيس الأمريكي دون أن تتحقق. وتنقل الصحيفة عن عزمي كشاوي، الخبير في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني لدى مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، ومقرها الدوحة، أنه "لم يتم إحراز أي تقدم جدي حتى الآن”.
في الأسبوع السابق- تُشير "لوموند”- أنهى الوسطاء المصريون والقطريون، بموافقة المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار. وينص هذا المقترح على هدنة مدتها 60 يومًا، يتم خلالها تسليم 10 رهائن إسرائيليين وجثث 18 آخرين قضوا في الأسر، مقابل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين، وإدخال مساعدات إنسانية كبيرة إلى غزة.
بموجب الاتفاق، تلتزم إسرائيل بوقف نشاطاتها العسكرية ومراقبتها الجوية لمدة عشر ساعات يوميًا، أو اثنتي عشرة ساعة في الأيام التي تتم فيها عمليات تبادل الأسرى والرهائن، فيما تلتزم "حماس” بعدم استعراض عملية تسليم الرهائن.
في اليوم العاشر للهدنة، يجب على الحركة الفلسطينية تقديم إثباتات حياة أو وفاة بشأن الرهائن المتبقين، مقابل حصولها على معلومات كاملة عن مصير الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الولايات المتحدة ومصر وقطر ستكون ضامنة لهذه الهدنة، وستشرف على المفاوضات للتوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في نهاية الستين يومًا، يتيح إطلاق سراح بقية الرهائن والأسرى الفلسطينيين. ويمكن تمديد الهدنة المؤقتة ما دام لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق.
وقد وافقت إسرائيل و”حماس” مبدئيًا على هذا المقترح الجديد، غير أن الحركة الفلسطينية أبدت تحفظات. إذ إن "حماس”، المحاصرة في قطاع غزة، والتي خسرت معظم قيادتها العسكرية، تحتاج إلى هدنة لالتقاط الأنفاس. وهي تطالب بضمانة بأن الهدنة ستعقبها نهاية الحرب، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، تقول "لوموند”.
خلافات جوهرية ما تزال قائمة
يقول عزمي كشاوي للصحيفة الفرنسية إن "العقبة الأساسية حاليًا تكمن في أن الوفد الإسرائيلي لا يملك صلاحية اتخاذ القرار لإبرام اتفاق، حسب مصادر فلسطينية، وهو ما أعاق التقدم خلال الجولة الأولى”.
فما تزال هناك خلافات جوهرية بين إسرائيل و”حماس”. أولها يتعلق بانسحاب قوات الدولة العبرية من القطاع. فبينما تطالب الحركة الفلسطينية بانسحاب كامل، تُصر إسرائيل على الحفاظ على "منطقة أمنية” تشمل مدينة رفح جنوبًا وممر موراغ الذي يفصل بين رفح وخان يونس.
كما تطالب "حماس” بإعادة إدارة المساعدات الإنسانية إلى الأمم المتحدة، بدلًا من "مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي منظمة خاصة أنشأتها الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، وتحظى منذ الربيع باحتكار إيصال المساعدات، ما أسفر عن نتائج كارثية. فالتوزيع الفوضوي للمواد الغذائية أدى إلى مقتل مئات الفلسطينيين برصاص القوات الإسرائيلية، توضح "لوموند”.
وتنقل أيضًا عن خبير مجموعة الأزمات الدولية، عزمي كشاوي، قوله: "يُعد هذا المطلب خطًا أحمر بالنسبة لإسرائيل، التي ترى أن ذلك سيحدّ من نفوذها، في حال لم يتم الاتفاق مسبقًا على إدارة دولية أو ثنائية محايدة”.
ومن جهة أخرى، تطالب "حماس”، المتوجسة من الخرق الأحادي للهدنة السابقة من قبل إسرائيل، في مارس/آذار، بضمانة أمريكية قوية تلزم الدولة العبرية. لكن الأخيرة، وفقًا لعزمي كشاوي، "ترفض بشكل قاطع أي ضمانة تمنعها من الرد عسكريًا لاحقًا إذا ما اعتبرت أن "حماس” أعادت تسليح نفسها”.
رسائل متضاربة تعمّق حالة الالتباس
وتشير "لوموند” إلى أنرئيس الوزراء الإسرائيليبعث، يوم الأحد، عشية سفره إلى واشنطن، برسائل متضاربة كعادته، إذ قال إنه "مصمم على إعادة الرهائن”، وفي الوقت نفسه أكد عزمه على "القضاء على القدرات العسكرية والحكومية لحماس”. وأضاف: "لا يجب أن تكون حماس موجودة في غزة”.
وكان نتنياهو أكثر إسهابًا في الحديث عن "الانتصار الرائع” الذي تحقق بمساعدة الولايات المتحدة ضد إيران، وعن إمكانية "توسيع دائرة السلام” في المنطقة، حسب تعبيره.
وخلال يوم الإثنين، صدرت إشارات متناقضة من داخل إسرائيل زادت من حالة الالتباس. فقد أعلن وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، في إيجاز صحافي، أنه أعطى تعليمات للجيش بوضع خطة لإنشاء "مدينة إنسانية” على أنقاض رفح، تستوعب في نهاية المطاف سكان قطاع غزة كافة.
يهدف هذا المشروع إلى نقل 600 ألف فلسطيني إلى المنطقة الجديدة، مع منعهم لاحقًا من مغادرتها. لكن، قبل ساعات قليلة، أكد مكتب رئيس الأركان، إيال زامير، أمام المحكمة العليا، وفقًا لصحيفة "هآرتس”، أن "نقل السكان وتركيزهم لا يشكلان أحد أهداف العمليات العسكرية”.
عزمي كشاوي: العقبة الأساسية حاليًا تكمن في أن الوفد الإسرائيلي لا يملك صلاحية اتخاذ القرار لإبرام اتفاق
وفي واشنطن- تتابع "لوموند”- دافع نتنياهو بدوره عن مشروع نقل الفلسطينيين خارج غزة باسم "حرية الاختيار”.
وقال: "إذا أراد الناس البقاء، يمكنهم ذلك، لكن إذا أرادوا المغادرة، يجب أن يتمكنوا من ذلك. نحن نعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لإيجاد دول راغبة في منح الفلسطينيين مستقبلًا أفضل”، مستبعدًا تمامًا إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
واعتبرت "لوموند” أن الغموض المحيط بالمفاوضات الجارية، في وقت يُفترض أن تنتهي زيارة رئيس الوزراء لواشنطن، يوم الخميس، يزيد من توتر المجتمع الإسرائيلي بعد واحد وعشرين شهرًا من الحرب.
وقد تزايد قلق عائلات الرهائن منذ 3 يوليو، عقب زيارة نتنياهو لكيبوتس نير عوز، الموقع الأكثر تضررًا من هجوم "حماس” في 7 أكتوبر 2023، حيث قُتل أو خُطف 117 شخصًا. وقد اعتبر سكان نير عوز، المنقسمون بشأن زيارته، أن هذه الزيارة قد تعني اقتراب التوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح خمسين رهينة ما تزال محتجزة في غزة، بينهم عشرون يُعتقد أنهم على قيد الحياة.
وفي السبت التالي، في "ساحة الرهائن” في تل أبيب، ناشدت عائلاتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي إنهاء الحرب في غزة من أجل إطلاق سراح الرهائن "دفعة واحدة”.
وقالت العائلات: "لا نريد اختيارًا، لا نريد وقف إطلاق نار مؤقت، بل اتفاقًا شاملًا”، مذعورة من احتمال تكرار أشهر من الانتظار المؤلم بعد خرق الهدنة من قبل إسرائيل.
وفي نظر المعارضة وأقارب الرهائن، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يُفضّل تلبية مطالب شركائه من اليمين المتطرف، الذين يدعون إلى احتلال كامل لقطاع غزة وطرد سكانه، توضّح "لوموند”.