غزة على حافة الاجتياح: بين مراوغة الهدنة وإرادة التدمير

{title}
أخبار دقيقة -

كتب - محمد صبيح الزواهرة

في الوقت الذي ما تزال فيه غزة تغرق في ليل من الدمار والمآسي، تخرج التقارير من الإعلام الإسرائيلي لتلوّح بخطة اجتياح عسكري شامل خلال أسبوعين، ما لم تنجح زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الخليج في انتزاع "هدنة” وفق الشروط الإسرائيلية. الحديث عن اجتياح كهذا لا يأتي من فراغ، بل يعكس توجّهًا استراتيجيًا إسرائيليًا يرى أن الحل الوحيد لغزة هو إخضاعها بالقوة أو تفريغها من كل ما تبقى من قدرة على المقاومة.

 

أولاً: هدنة على المقاس الإسرائيلي

التحرك الأميركي في هذا التوقيت لا ينفصل عن مسار طويل من الدعم المطلق لإسرائيل، ولكنه اليوم يتخذ طابعًا أكثر وقاحة. ترامب، الذي يعاود لعب أدوار خارجية ضمن مشروع سياسي داخلي مستقبلي، يروج لمساعٍ "تفاوضية” في الخليج، بينما الهدف الحقيقي منها ليس وقف الحرب، بل تسويق صفقة سياسية تحت غطاء إنساني، تُلزِم المقاومة الفلسطينية بقبول وقائع ميدانية وشروط أمنية تخدم إسرائيل أولًا وأخيرًا.

ثانيًا: انسحاب قطري ودور مصري محدود

فيما بدت قطر – المعروفة تاريخيًا بدورها التفاوضي مع حماس – خارج سياق الوساطة مؤقتًا، تتقدم مصر إلى الواجهة، ولكن دون دعم سياسي عربي أو غطاء دولي فعّال. الدور المصري يبدو محصورًا بإدارة التوتر، لا حلّه. لا إسرائيل راغبة في منح أي امتياز، ولا الولايات المتحدة مستعدة لممارسة أي ضغط حقيقي على حليفها الإسرائيلي. والنتيجة أن الجهود المصرية تظل محصورة في هامش ضيق من المناورة.

ثالثًا: السيناريو الأسوأ… قيد التنفيذ

التصريحات الإسرائيلية حول "خطة احتلال غزة” ليست للاستهلاك الإعلامي فقط. بل هي جزء من حملة نفسية وعسكرية تهدف لتشريع أي عدوان موسّع لاحقًا، خاصة في ظل انشغال العالم وإرهاق الفلسطينيين من طول المعركة. هذا السيناريو، إذا ما طُبّق، سيكون كارثيًا من حيث الكلفة الإنسانية والسياسية، ويقود إلى تدمير شامل للبنية التحتية والمجتمع المدني في القطاع، وفرض ترتيبات ميدانية أشبه بما حدث في الضفة بعد اجتياح 2002.

رابعًا: غزة وحدها في الجحيم

المشهد الأشد قسوة أن غزة تُترك اليوم وحيدة، ليس فقط في ميدان المواجهة، بل أيضًا في ميدان السياسة. لا مظلة عربية قادرة على فرض مسار تفاوضي عادل، ولا مؤسسات دولية قادرة على وقف القتل. كل ما يجري هو إدارة للأزمة من منظور إسرائيلي – أميركي، مع بعض "اللمسات الإنسانية” الشكلية التي لا تغيّر من جوهر المأساة شيئًا.

ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط صراعًا على الأرض، بل على الإرادة. إسرائيل تراهن على كسر صمود غزة سياسيًا بعد إنهاكها عسكريًا، بينما تراهن المقاومة على أن الزمن لن يصنع شرعية لمَن يحتل ويقصف ويهجّر. وبين هذا وذاك، يدفع شعبٌ بأكمله ثمن خذلانٍ دولي، وصمت عربي، وتواطؤ "أصدقاء” يقدّمون حساباتهم على حساب دماء الأبرياء.
غزة لا تحتاج فقط لوقف إطلاق نار، بل لعدالة، والعدالة لا تُصنع من واشنطن ولا تُفرض من تل أبيب.

تصميم و تطوير