تقرير.. أزمة السُّيولة النَّقديَّة تعمِّق معاناةً النَّازحين جنوب القطاع.. واقتصاديُّون يعلِّقون

{title}
أخبار دقيقة -  تعيش ما تسمى زورا "المنطقة الإنسانية" فى وسط وجنوب القطاع للشهر السادس على التوالي أزمة سيولة خانقة ترمي بظلالها الكبيرة على معاناة النازحين وكـأنها تضع البنزين فوق النار المشتعلة مجدداً. مئات آلالاف من الموظفين العموميين لم تنجح محاولاتهم في سحب رواتبهم الشهرية من الصرافات الآلية في فرعي بنك فلسطين بمدينة دير البلح والنصيرات وسط قطاع غزة، بسبب الأزدحام الشديد وعدم توفر السيولة النقدية الكافية. وآلاف آخرين لا يستطيعون سحب مداخراتهم أو تلقى مساعدات مالية من أبنائهم و ذويهم خارج البلاد فيما يعرف بتحويلات (الويستر أو المونيجرام)، حتى المؤسسات الإغاثية والخدماتية باتت غير قادرة على صرف مساعداتها النقدية بالشكل المعتاد . تجار الحروب يقول أبو سامر الحلو "57 عامًا":" إنه يقضى أيام طويلة أمام البنك في انتظار سحب راتبه بالطريقة العادية ودون اللجوء إلى سحبه عبر التجار الذين يضعون نسبة عمولة على كل عملية سحب تصل إلى 20% من قيمة الراتب المسحوب فى بعض الأحيان. ويضيف أحاول بكل السبل الوصول إلى الصراف الآلي بالطريقة العادية عبر الاصطفاف بالدور لساعات طويلة، وفي كل مرة يفرغ من النقود قبل أن يأتي دوري من شدة الازدحام. منوه أنه يعرض حياته للخطر من أجل سحب الراتب إذ يضطر إلى الخروج من منزله فى منتصف الليل ليحجز دوراً متقدما على طابور الصراف. ويرجع غالبية الموطنين الذين استطلعت "وكالة شهاب" آرائهم أن واحد من أهم أسباب الأزمة تجار العملة وأصحاب محال الصرافة الذين يسحبون عمدًا مبالغ كبيرة لإفراغ الصراف الآلي من المال، خاصة في فروع بنك فلسطين، الذي يستحوذ على العدد الأكبر من حسابات الموظفين في القطاعين العام والخاص وموظفي المنظمات الدولية في القطاع. ويروي المواطنين كيف يقوم تجار الحروب على حد تعبيرهم بسحب مبالغ كبيرة ويوظفون "بلطجية" للوقوف في الطابور بين الناس، ويتعمدون افتعال المشكلات من أجل "التخريب وإشاعة الفوضى، والاستحواذ على أكبر مبالغ ممكنة من الصراف من أجل خلق أزمة وابتزاز المواطن بلجوئه إليهم للحصول على راتبه في مقابل عمولات عالية. فكي الحصار بحسب الخبير الاقتصادى أحمد أبو قمر، فإن الاقتصاد الفلسطيني ككل يخضع إلى إشراف ورقابة مباشرة من وزارة المالية الإسرائيلية. حيث أن الأموال التى تدخل إلى قطاع غزة منذ أكثر من سبعة عشر عاما تندرج فى أموال المقَاصّة الجزء الأكبر من الإيرادات المالية للسلطة الفلسطينية بما فيه مصروفاتها المخصصة لقطاع غزة، التى يتلاقها آلاف الموظفين المدنيين في غزة الذين يتبعون السلطة الفلسطينية ويتقاضون رواتبهم منها. ثم ما يدخل عبر أموال المتبرعين لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، الأونروا وكذلك المساعدات القطرية التي كانت تعتبر المصدر الأساسي للدولار في غزة. أما فيما يتعلق بـ"اقتصاد الظل" وهي أموال يقول إن مصدرها وطريقة دخولها لغزة وأبواب صرفها أيضا غير معلومة، ومن بينها يعرف في غزة بـ "تكييش" البضائع أي تحويلها إلى كاش و هذه الأموال لا تظهر ضمن الدورة النقدية أو "المعروض النقدي". وأكد أبو قمر، أن كل موارد غزة من المعروض النقدي، غير كافية لإتمام دورة اقتصادية صحية في القطاع تجعل أكثر من مليوني مواطن يعيشون بشكل طبيعي، وهذا جزء من الحصار المفروض على القطاع منذ سبعة عشر عاما. ويتابع واحد من أهم أسباب أزمة السيولة منذ إنطلاق الحرب غياب كل مصادر دخول الأموال إلى قطاع غزة بسبب التهديدات المختلفة من حكومة الاحتلال والتى أطبقت فكي الحصار على القطاع كاملا، وفي المقابل يستمر خروج النقد من القطاع عبر الأموال التي دفعها المغادرون عن طريق ما يعرف بتنسيقات الخروج عبر معبر رفح، أو ادخال البضائع من معبر رفح والتى وصلت إلى مئات الملايين . أما السبب الثالث ،الذي يستنفد الأوراق النقدية في غزة، فهو التلف والاهتراء، قبل الحرب كانت الأوراق النقدية التالفة والمهترئة تستبدل بأوراق جديدة ضمن التنسيق الفلسطيني الإسرائيلي في هذا المجال. لكن هذا لم يحدث منذ بداية الحرب، اهترت الأوراق النقدية فبات التجار يرفضونها وأصبحت لا قيمة لها. سرقة وتلاعب من جانبه، يرجع الباحث الاقتصادي الدكتور محمد أبو عليان، سبب الأزمة إلى الاحتلال وممارساته بشكل أساسي فتعمد سرقة عناصر جيش الاحتلال جزءاً كبيراً من السيولة النقدية من بيوت المواطنين والشركات والمؤسسات، وإتلاف جزء من الأموال نتيجة القصف المتواصل للبنوك والمنشآت والمحال التجارية. ويوضح أبو عليان، أن قطاع غزة بشكل عام يعاني عجزاً تجارياً كبيراً، أي إن الواردات تفوق الصادرات وبالتالي مع الحرب وإغلاق المعابر أنهار أحد مصادر السيولة النقدية للقطاع. فضلاً عن عدم قدرة السلطة الفلسطينية والمؤسسات الدولية على صرف رواتب الموظفين والمساعدات الاجتماعية أو إدخال السيولة النقدية للقطاع، نظراً إلى القيود الإسرائيلية، مما أدى إلى إنهيار دخل آلاف الأسر. وبحسب أبو عليان، فإن المواطنين يضطرون إلى دفع عمولة كبيرة جداً مقابل الحصول على تحويلات من الخارج أو سحب أموالهم من الحسابات البنكية، كما لجأت المكاتب إلى التلاعب بشكل كبير في سعر صرف الشيكل مقابل الدولار. ويلفت الباحث الاقتصادي إلى أن الحرب أدت إلى تحكم بعض التجار ووكلائهم في السيولة أو في القدرة على الوصول إلى الصرافات الآلية، بمعنى أن هؤلاء احتكروا السيولة لكي يحققوا الربح جراء العمولات الكبيرة وغير المشروعة، إذ ظهرت المعاملات غير المشروعة، كالاستغلال والاحتكار، كما ظهرت طبقة جديدة من تجار الحروب.


تصميم و تطوير