باوزير يكتب: قرارات المحكمة الجنائية الدولية بشأن إصدار أوامر اعتقال في الوضع في دولة فلسطين.. المعاني و التأثيرات القانونية
أخبار دقيقة -
كتب- د. باسل باوزير - في 21 نوفمبر 2024، أصدرت محكمة الجنايات الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت. استناداً إلى "الأدلة التي قدمها مكتب المدعي العام للمحكمة، ووجد قضاة المحكمة الجنائية الدولية أنها تتضمن أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن كل منهما ارتكب جريمة الحرب المتمثلة في استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وجرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية، بصفته مرتكبًا مباشرًا، وبالاشتراك مع آخرين. كما وجدت الدائرة أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن كل منهما مسؤول عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجمات ضد المدنيين عمدًا".
من المرجح، أن يكون قرار المحكمة بشأن أوامر الاعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، بداية لعملية طويلة من التحقيقات الأخرى التي سترافق إسرائيل لسنوات عديدة جراء الانتهاكات والجرائم التي قامت بها في غزة، وربما في لبنان، وإن كانت تبدو عمليات الجيش الإسرائيلي في لبنان أكثر حذراً (على الأقل حتى الآن) مما قام به في غزة من انتهاكات وصفتها قرارات المحكمة بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
هناك 124 دولة عضو في المحكمة وهو ما يقارب من ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، منها حلفاء إسرائيل المهمون مثل بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، والعديد من الدول الأخرى التي تقيم إسرائيل علاقات سياسية وثيقة معها، ستكون جميع هذه الدول ملزمة بتنفيذ أوامر الاعتقال إذا وصل نتنياهو وجالانت إلى أراضيها، واعتقالهما وتسليمهما إلى المحكمة.
وستكون لأوامر الاعتقال أيضا عواقب سلبية على إسرائيل. حيث سيتضرر الدعم المعنوي لحربها في غزة و لبنان أمام أصدقاءها في العالم. وسوف تلقي بظلالها الكثيفة على الحرب، مع الاشتباه في أن المسؤولين الإسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب. في مثل هذا الوضع، لن يتضرر فقط الدعم المعنوي لإسرائيل. بل سوف تدرس الدول ما إذا كانت ستواصل إرسال شحنات الأسلحة إليها، خوفا من أن تصبح متواطئة في جرائم إسرائيل. أي أن أوامر الاعتقال قد تشجع على فرض عقوبات إضافية على إسرائيل، بدءاً من القيود الإضافية على بيع الأسلحة لإسرائيل، مروراً بالإجراءات الجنائية والدعاوى المدنية ضد الضباط والجنود في الجيش الإسرائيلي، وصولاً إلى المقاطعة وإلغاء أشكال التعاون المختلفة الاقتصادية والثقافية والعلمية.وستضر أوامر الاعتقال أيضًا بعلاقة إسرائيل مع الأمم المتحدة، لأن كبار المسؤولين في الأمم المتحدة يتجنبون إقامة اتصالات أو حضور اجتماعات مع أولئك الذين صدرت بحقهم أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية.
وقد تلجأ إسرائيل، لتجنب العزلة الدولية التي سيواجهها المتهمين، إلى اتباع النهج الأمريكي، عبر إبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول الأعضاء في المحكمة، بموجب "المادة 98" من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لمنع تسليم أي مواطن اسرائيلي من قبل الدول الأعضاء إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتنصالمادة 98/2 بشأنالتعاون فيما يتعلق بالتنازل عن الحصانة والموافقة على التسليم، على: "لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم يتطلب من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو لا يتفق مع التزاماتها بموجب اتفاقات دولية تقتضي موافقة الدولة المرسلة كشرط لتقديم شخص تابع لتلك الدولة إلى المحكمة، ما لم يكن بوسع المحكمة أن تحصل أولاً على تعاون الدولة المرسلة لإعطاء موافقتها على التقديم." وعادة ما يُشار لاتفاقيات المادة 98، باتفاقيات الحصانة الثنائية،أو اتفاقيات الإفلات من العقاب،أو اتفاقيات عدم التسليم الثنائية. بدءًا من عام 2002، بدأت الولايات المتحدة في التفاوض على هذه الاتفاقيات مع دول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وأبرمت ما لا يقل عن مائة اتفاقية من هذا القبيل. حيث توافق الدول التي توقع على هذه الاتفاقيات مع الولايات المتحدة على عدم تسليم الأميركيين إلى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.وأمام إسرائيل طريق طويل ومعقد لكي تبرم مثل هذا العدد الاتفاقيات الثنائية المانعة لتسليم المطلوبين.
وإلى جانب هذه العواقب القانونية والسياسية لأوامر الاعتقال، فهناك أيضاً تأثير مهم آخر، يتعلق باحتمال رفع دعاوى جنائية ضد الإسرائيليين الذين شاركوا في حرب غزة و لبنان في دول مختلفة، وليس فقط ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين بل ضد الضباط والجنود. بموجب مبدأ "الصلاحية العالمية". ووفقاً لهذا المبدأ، فإن أي دولة في العالم يصل إليها مشتبه به بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي أو قوانين الحرب، يمكنها أن تحاكمه، حتى لو ارتكبت الانتهاكات في دول أجنبية. حتى الآن، كانت ممارسة الصلاحية العالمية تجاه الإسرائيليين محدودة للغاية. وباستثناء حالات قليلة التي تم لها اللجوء إلى هذا المبدأ في عدد من الدول الأوروبية، إلا إن أغلب الدول فضلت ترك التحقيقات في الانتهاكات المشتبه بها لقوانين الحرب لإسرائيل، لنظام التحقيق الإسرائيلي لإجراء التحقيقات بنفسه في حالات الانتهاكات الخطيرة. ولكن مع إصدار أوامر الاعتقال، فهذا يعني أن المحكمة الجنائية الدولية فقدت الثقة في جهاز التحقيق الإسرائيلي، وستحذو حذوها دول أخرى وستقبل الدعاوى القضائية ضد اسرائيليين بموجب مبدأ الصلاحية العالمية. وسيرتفع عدد القضايا المرفوعة ضد الإسرائيليين بشكل كبير. وقد يتعرض جنود و ضباط في الجيش الإسرائيلي، والإسرائيليين الذين يحملون جنسية مزدوجة ويشغلون مناصب عليا في الخدمة الحكومية للملاحقة القضائية في هذه الدول.
إن محاولات إسرائيل، للضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية، عبر الإجراءات الاقتصادية والتهديد بوقف كامل لتحويل عائدات الضرائب التى تجمعها إسرائيل للسلطة الفلسطينية الشهر المقبل رداً على أوامر المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت. وذلك لإجبار السلطة الفلسطينية على طلب تعليق إجراءات المحكمة أو حتى دفع السلطة للانسحاب من عضوية المحكمة الجنائية الدولية، يدل بشكل واضح على أهمية "الجبهة القانونية" في مواجهة إسرائيل. ومع ذلك، فإن الانسحاب لا ينتقص من التزام ذلك البلد بالتعاون مع التحقيق الجاري، ولا ينتقص من اختصاص المحكمة فيما يتعلق بالمسألة المعلقة قبل الانسحاب (المادة 127 من نظام روما الأساسي)