الهروب إلى قبرص.. جزيرة اللجوء للإسرائيليين بعد الكورونا والسجالات الداخلية والـ7 من أكتوبر
يكشف تحقيق تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم، عن تشكّل كومونة إسرائيلية في قبرص، نتيجة هجرة آلاف من الإسرائيليين إليها بعد جائحة الكورونا، وتضاعفت بعد السابع من أكتوبر.
وتجوّلَ مراسلُ الصحيفة بين لارنكا ونيقوسيا وبابوس، وغيرها من البلدات في الجزيرة القبرصية، والتقى إسرائيليين غادروا البلاد بحثاً عن الراحة والهدوء، بيد أن التقارير الصحفية عن الخطة الأمريكية لبناء ميناء في غزة يكون رأس جسر لممرّ مائيّ مع قبرص لتزويد الغزيين بمساعدات إنسانية يثير قلقهم من ارتفاع أعداد العرب والفلسطينيين في قبرص أيضاً نتيجة لذلك.
ويقول التقرير إن المسافة القصيرة بين سواحل البلاد وسواحل قبرص، الممتدة على مسافة سفر 30 دقيقة فقط تَحُولُ أحياناً دون شعور الإسرائيليين بالراحة وبالانقطاع عن توترات ومشاكل البلاد. كما يقول إن عدم الراحة لدى كثير من الإسرائيليين ينبع أيضاً من تركهم رِجلاً في البلاد على شكل عمل، أو أقارب، أو عيادة أسنان يعودون للتعالج فيها.
ويكشف التحقيق الصحفي أن تدفق الإسرائيليين على قبرص بدأ قبل نحو 20 عاماً، لكن الظاهرة باتت تياراً كبيراً في الشهور الأخيرة، كونها جزيرة قريبة، ويجمعها مع البلاد قواسم مشتركة، كالمناخ والجغرافيا والنباتات، علاوة على كونها ملجأ لشعوب كثيرة مند عقود. فقبل نحو 50 سنة، شهدت موجات من هجرة اللبنانيين، ومن قبلهم بريطانيون وألمان، ممن استحسنوا مناخها وهدوءها.
بناء ميناء في غزة يكون رأس جسر لممرّ مائيّ مع قبرص يثير قلق الإسرائيليين من ارتفاع أعداد العرب والفلسطينيين في قبرص
ويتابع التحقيق: “وهكذا، ليس مفاجئاً أن تتحول قبرص إلى “خطة ب” في عدة مجالات حياتية بالنسبة لآلاف الإسرائيليين.
في البداية كانت هدفاً سياحياً، ولاحقاً صارت سوقاً للعقارات، ومن ثم مكاناً للعيش والإقامة بشكل مؤقت أو ثابت.
ويدلّل على الظاهرة الحاخام آرييه زئيف راسكين، وهو الزعيم الروحي للجماعة اليهودية التابعة لحركة “حباد”، فقد وصل لقبرص في 2003، قادماً من مدينة أشدود، وهي سدود الفلسطينية. وقتها “بلغ عددُ الإسرائيليين في قبرص 70 عائلة، ولاحقاً زادت الأعداد، وفي البداية كان هؤلاء المتقاعدون الباحثون عن الهدوء والشمس، ومن بعدهم ميسورو الحال ممن امتلكوا بيتاً في إسرائيل، وبيتاً في قبرص للاستجمام، ومن ثم خبراء الهايتيك بحثاً عن الضرائب المنخفضة المفروضة على الشركات، علاوة على الباحثين عن بيوت رخيصة مقارنة بأسعارها الباهظة في البلاد”.
ويوضح التحقيق أن “عدد الإسرائيليين زاد رويداً رويداً حتى صاروا بالآلاف، بعضهم استقر، وبعضهم تنقّلَ بين إسرائيل وقبرص، بيد أن الوضع اختلف في السنوات الأربع الأخيرة، فقد زاد تدفقهم على الجزيرة عقب الكورونا، والحاجة للبحث عن عمل من داخل البيت، وإن كان لا بد من البيت فليكن من مكان كقبرص هادئ ومبارك بأشعة الشمس”.
وطبقاً للتحقيق، زاد العدد بعد تفجّر الاحتجاجات، والانقسامات داخل إسرائيل، خلال 2023. ويقول الحاخام راسكين إن “الكسر الكبير داخل المجتمع الإسرائيلي، قبيل الحرب، دَفَعَ ليس فقط معارضي الانقلاب القضائي، بل مؤيديه أيضاً للهجرة، وقد علّلوا الانتقال بالإشارة للأجواء المسمّمة في إسرائيل، حتى فاض بنا ومللنا من المظاهرات والخصومات”.
بعد السابع من أكتوبر
ويوضح التحقيق أنه على هذه الخلفية جاء الـ7 من أكتوبر، وفجأة امتلأت الجزيرة بالإسرائيليين، ويقول إن عدداً منهم أدرك بالفطرة أن حدثاً جللاً قد وقع، من شأنه أن يغيّر شيئاً أساسياً في حياتهم، ومع غريزة البقاء بحثوا عن طائرة فكانت قبرص القريبة هدفاً شعبياً.
ويقول إن السياحة في قبرص تبلغ أوْجَها في أكتوبر عادة، ومع ذلك انقض الإسرائيليون على كل شقة أو غرفة تباع أو تستأجر وحصل أن قَدَّمَ محليون مأوىً لبعضهم مجاناً، بعدما تأثروا بفظائع السابع من أكتوبر على شاشات التلفزة، بل تبرّعوا لهم بالملبس والطعام.
وبعد مرحلة معينة عاد إسرائيليون للبلاد، أو انتشروا في العالم، ولكن عندما هبط الغبار على الأرض اتضحت الصورة: الجماعة اليهودية في قبرص، التي عدت، قبل سنوات، مئات من اليهود فحسب، باتت تعد اليوم نحو عشرة آلاف إسرائيلي يقيمون بشكل دائم في أربع مدن أساسية: لارنكا، بابوس، ليماسول، ونيقوسيا.
وحسب التحقيق الصحفي، هناك عشرة آلاف إسرائيلي أيضاً يقيمون بين قبرص وإسرائيل، لكن القدامى منهم لا يسارعون للاختلاط بالقادمين الجدد من إسرائيل، يفضّلون الاحتفاظ بخصوصيتهم، وبالاندماج أكثر بالمجتمع القبرصي.
ويقول التحقيق الصحفي أيضاً إن الإسرائيليين “الجدد” مستعدون للانفتاح والحديث أكثر، لكنهم كالإسرائيليين القدامى في الجزيرة يخافون على خصوصيتهم وعلى أسمائهم ويتهرّبون من الحديث والكشف عن هوياتهم.
وينقل التحقيق عن ليرون، من بلدة أوفاكيم في الجنوب، الذي وصل للارنكا بعد أسبوع من السابع من أكتوبر، قوله: “نحن نعلم أنهم في إسرائيل ينظرون لنا كهاربين في ساعة الأزمة، ولكن ينبغي الفهم أنه لكل واحد أسبابه. هنا يوجد عددٌ غير قليل من الإسرائيليين الذين علقوا داخل بيوتهم في منطقة غلاف غزة، وأنا واحد منهم. الحمد لله لم يصب أحد من أسرتي بجراح، وغادرنا البلدة مسرعين، بعدما فهمت جيداً إلى أين تجري الأمور، وأن حياتنا لن تعود لِما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.
وهنا أيضاً إسرائيليون ما زالوا يكابدون الصدمات، بعدما حوصروا داخل منازلهم، وتعرّضوا للكثير، وفقدوا الكثير من الأقرباء والأصدقاء، وعندنا واجب تجاه أنفسنا وأعزائنا بأن نقوم بترميم أنفسنا.
الحاخام راسكين: الكسر الكبير داخل المجتمع الإسرائيلي، قبيل الحرب، دَفَعَ ليس فقط معارضي الانقلاب القضائي، بل مؤيديه أيضاً للهجرة
وهنا أيضاً إسرائيليون نزحوا من بيوتهم في الجليل، بعدما فهموا أن الحرب مع “حزب الله” ستكون طويلة، وبدلاً من العيش كلاجئين داخل فنادق صغيرة وصلوا لقبرص، واستأجروا منازل لفترة طويلة، بل سجّلوا أولادهم في المدارس الخاصة، ومن فعل ذلك بسرعة فعل بحكمة، فاليوم يوجد طابور ممن ينتظرون تسجيل أولادهم في مدارس خاصة، وأيضاً ارتفعت أسعار الاستئجار بشكل كبير.
الجواز الأوروبي
ويقول التحقيق الصحفي إن من لا يوجد بحوزته جواز سفر أوروبي، أو لم يملك 300 ألف يورو وأكثر مما يمنحه شهادة إقامة، فإن الحياة لهم في قبرص أكثر تركيبا، منوهاً بأن من لا يملكها لا يستطيع البقاء في قبرص أكثر من 90 يوماً بشكل متواصل، وعليه مغادرتها والعودة مجدداً بعد عدة أسابيع لجولة جديدة.
كما يقول إن بعض الإسرائيليين، ممن تنطبق عليهم هذه الحالة يستغلون الفرصة للعودة لإسرائيل لقضاء حاجاتهم العلاجية والتعليمية وغيره.
وتنقل الصحيفة عن شير، معلمة سابقاً، قولها إن الإسرائيليين في قبرص ينتمون لمختلف المشارب الاجتماعية: علمانيون ومتدينون، وحتى من الحريديم، وطبعاً يساريون ويمينيون، ومن أنصار نتنياهو، ومن خصومه، لكنهم يتحاشون النقاشات والسجالات كعبرة مما حصل في إسرائيل خلال العام المنصرم.