ماء الأردن ونفطه وغازه: دراسات وحقائق

{title}
أخبار دقيقة -

قد لا يعرف البعض من غير المختصين بأن التنقيب عن النفط، يبدأ بدراسة النماذج الهيدوديناميكية لحركة المياه الجوفية العذبة والمالحة في الطبقات الأرضية العميقة على مر العصور، وذلك لتحديد الأماكن والمكامن التي من الممكن أن تكون قد اصطادت تجمعاً للنفط أو الغاز، لا سيما وأن النفط يطفو على المياه، لأنه أقل كثافة من الماء الذي يطفو عليه، وذلك حسب قواعد الكثافة الفيزيائية للمواد السائلة، وبالتالي تواجد النفط محكوم بحركة المياه الجوفية بشكل كبير.

وتكوّن النفط والغاز في الطبقات الأرضية العميقة في غير الظروف الحالية، بل كانت مختلفة تماماً وليس لها علاقة بما نشاهده اليوم من جغرافيا طبيعية أو سياسية، أذ أن قشرة الكرة الأرضية قد تعرضت لتغيرات جيولوجية وتكتونية كبيرة على مدار الملايين أو مئات الملايين من السنيين الماضية، وغيرت من شكلها الحالي بشكل كبير حيث صاحب تلك الحقب الزمنية تكون النفط والغاز. يتكون النفط والغاز عبر مراحل وخطوات معقدة جداً بعضها غير مفهوم لغاية اللحظة والدليل أن العقل الإنساني والتكنولوجيا الحديثة، لم تستطع تصنيع نفط صناعي، إلا أنه من الواضح أن النفط يتكون تحت ضغوط ودرجات حرارة عالية جداً من مخلفات عضوية وبحرية، وتنتقل تحت الضغوط الكبيرة إلى مكامن أو مصائد نفطية لا يستطيع النفط أو الغاز الخروج منها، وهي التي يتم التحري عنها واستكشافها من خلال الحفر والتنقيب. أما الغاز فعادة ما يكون نفطاً، ولكنه تحول تحت ظروف وضغوط ودرجات حرارة أكبر إلى غاز يتسرب بعدها إلى مكامن غازية صخرية محصورة غير نافذة، وهو الذي يتم استخراجه من خلال حفر الآبار. الدراسات التي قام بها كاتب هذه المقالة، والتي تم نشرها في دوريات علمية عالمية محكمة، وكذلك التي تمت من خلال خبراء آخرين في مناطق الصفاوي والمخيبة والديسي والمدورة والجفر وبطن الغول ووادي الأردن ووادي عربة والبحر الميت والضليل والحلابات والأزرق وحوض الحماد وحوض السرحان، وأيضاً الدراسات التي قام بها أستاذة من الجامعات الأردنية، والتي قد بينت جميعها بأنه وبسبب الكسر الحاصل في حفرة الانهدام، فأن حركة المياه الجوفية وحتى السطحية قد تغيرت باتجاه الغرب، أو بالتحديد من منتصف الأردن (الأزرق والصفاوي)، باتجاه منطقة البحر الميت لكونها أخفض نقطة تجري المياه باتجاهها، حتى وإن سلكت مسارات تستغرق آلاف وأحياناً ملايين السنين. وهذا يعني أن النفط إن وجد، فقد تحرك باتجاه الغرب، إلا أن أعمال التنقيب عن النفط في منطقة البحر الميت (غور عسال والموجب)، لم تنجح ولم يتم العثور إلا على بقايا نفط ثقيل والتي بعض منها أي النفط الثقيل كان وما زال يطفو على سطح البحر الميت ككتل نفطية أشبه بكتل زفته محترقة. وهذا مؤشر يؤيد على أن النفط قد استمر بالهجرة غرباً، ولا يستبعد أن يكون أصل الغاز المكتشف في شرق المتوسط من هذا النفط المهاجر على مدار ملايين السنين. علماً بان هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية وخلال دراسات تقييم غاز حوض الهلال الخصيب أو ما يسمى باللغة الإنجليزية، بـ «لأفنت» خلال الأعوام ٢٠١٠- ٢٠١٢، قد حاولت تفسير أصل نشوء وتكوين الغاز بمنطقة غرب المتوسط من خلال البحث في عدة احتمالات، إلا أنها لم تحسم أمرها في هذا الموضوع، من حيث أن جزءاً من هذا الغاز قد أتى من الغرب. وعودة إلى الدارسات الهيدروديناميكية والنماذج الرياضية المائية ثلاثية الابعاد، التي تمت على معظم الأحواض المائية وتمت بمساعدة هيئة المساحة الجيولوجية الألمانية والفرنسية والأميركية للخزانات الجوفية المتوسطة والعميقة من «الديسي» إلى «اليرموك»، ومن حوض البحر الميت الى حوض السرحان، أثبتت جميعها على أن جريان المياه الجوفية، هو باتجاه البحر الميت، ومع هذا الجريان تم هجرة الكثير من النفط الأردني باتجاه الغرب، وما تبقى إلا القليل الذي اصطادته المكامن الجيولوجية، مثل حقل حمزة في الأزرق. ولهذا السبب تحتاج عمليات التنقيب عن النفط في الأردن دراسات دقيقة لحركة المياه الجوفية، بالإضافة إلى أدوات التنقيب الحديثة الأخرى لعلنا نستكشف بعض هذه المكامن النفطية. إما الغاز وخاصة في منطقة الريشة، فقد تم اكتشافه بالصدفة في الثمانينيات، ويمثل نهاية الطرف الغربي لحوض الغاز العراقي، والذي يبدأ من بغداد ولغاية الريشة، وبعض المناطق السورية وأهم مناطقه المكتشفة حوض عكاس جنوب مدينة القائم العراقية وعلى امتداد طول الحدود مع سوريا، وذلك حسب دراسات الجانب العراقي وبمساعدة فنية دولية بعد اجتياح العراق عام ٢٠٠٣، ما يعني أن هذه المنطقة مؤملة جداً ضمن المحددات سابقة الذكر. ولتعظيم نتائج التنقيب وزيادة دقتها، فلا بد من تعاون أردني عراقي في هذا المجال لتبادل المعلومات لما فيه مصلحة الدولتين الشقيقتين والجارتين. فالأردن بسبب ما ذكر بالإضافة إلى صغر المساحة الجغرافية نسبياً لن يكون دولة نفطية من طراز العشرة الأوائل، والتي يتراوح إنتاجها ما بين ١٠-١٤ مليون برميل يومياً، مثل الولايات المتحدة الأميركية والشقيقة السعودية أو بالبرازيل بإنتاج نحو ٢ مليون برميل نفط يوميا. ولن تكون دولة نفطية من صنف عُمان أو اليمن، أو بإنتاج حوالي نصف مليون إلى ١ مليون برميل من النفط يومياً. ولكن على الأغلب هناك بعض المكامن الصغيرة نسبياً، والتي من الممكن إنتاج ما بين ألف إلى ٥٠ ألف برميل من النفط يومياً، وهي جيده نسبياً ومن الممكن أن تكون متواجدة في مناطق الجفر والبحر الميت والأزرق ووادي السرحان. خلاصة القول، الأردن ليس مؤهلاً كدولة نفطية كبيرة من الناحية الفنية كما ذكر سابقاً، ولا كما يقول البعض بأن الحكومات مقصرة وهناك نفط والحكومة لا ترغب باستخراجه، وهذا أيضاً غير صحيح البتة، لأنه لو تعلم الحكومات بأن هناك نفط في مكان ما فلن تتوانى لدقيقة واحدة عن التنقيب عنه بالأيدي. حمى الله الأردن وقائد الوطن وأدام الله علينا جميعاً نعمة الأمن والأمان. وزير المياه ووزير الزراعة السابق الرأي
تصميم و تطوير