تداعيات تخفيض ضريبة المحروقات

{title}
أخبار دقيقة -

نعم، الضريبة الخاصّة على المحروقات في الأردنّ هي ضريبة عالية جدّاً وقد تكون من أعلى النسب عالميّاً، وعائدات الخزينة منها تتجاوز الـ1.2 مليار دينار في بعض الأحيان ، وهي تشكّل ضغطاً مباشراً على الأمن المعيشيّ للأردنيّين وتساهم في زيادة كلف الإنتاج على القطاع الخاصّ.

الدعوات الشعبيّة الأخيرة الّتي تطالب بإلغاء الضريبة على المحروقات من أجل تخفيض أسعار المشتقّات مطالب شرعيّة وقابلة للنقاش الاقتصاديّ ، فلا شكّ أنّ الارتفاعات الأخيرة ساهمت بتداعيات سلبيّة معيشيّة على طبقات عديدة في المجتمع وألحقت خسائر بقطاعات مهمّة مثل النقل الّذي ارتفعت عليه أسعار السولار بحوالي 40 % خلال الشهور القليلة الماضية في ظلّ ثبات الأجور وعدم تعديلها تجنّباً لتحميل المواطن أيّ ارتفاعات في أجور النقل، لكنّ المستثمرين والعاملين في القطاع على مختلف مستوياتهم تأثّروا سلباً بهذه الإجراءات دون تحرّك سريع لإنقاذهم من نفق الخسائر المتتالية، لذلك لا أحد ينكر حقوق المعتصمين في هذا القطاع تحديداً. لكن لنعود مجدّداً حول المطالبة بإلغاء الضريبة الخاصّة على المحروقات والّتي هي كالآتي على المشتقّات 370 فلساً/ لتر على البنزين(90)، و575 فلساً/لتر على بنزين(95)، و700 فلس/لتر على بنزين(98)، و165 فلساً/لتر على الديزل والكاز، و60 ديناراً للطنّ على الغاز المسال و20 ديناراً للطنّ على الوقود الثقيل، و45 ديناراً على الإسفلت، في حين تمّ فرض بدل خدمات على وقود الطائرات بمقدار 23 فلساً/لتر. كما قلنا سابقاً هي ضريبة عالية على المشتقّات النفطيّة، لكن لنكن واقعيّين في هذه المطالبة، وتحليل تداعياتها في حال تخفيضها أو إلغائها كما يطالب المعتصمون، فالإيرادات الضريبيّة بكافّة أشكالها من مبيعات ودخل وغيرها من المقدر أن تبلغ مع نهاية هذا العام 5.937 مليار دينار، في حين أنّ النفقات الجارية في الخزينة من المقدر أن تبلغ ما مجموعه 9.073 مليار دينار، منها 1.889 مليار دينار رواتب الجهاز المدنيّ، و1.655 مليار دينار التقاعد المدنيّ والعسكريّ، 1.482 مليار دينار فوائد الدين العامّ، وإذا ما أضفنا إليها رواتب الجهاز العسكريّ والأمنيّ والسلامة العامّة، فإنّ هذه النفقات وهي نفقات ثابتة لا يمكن التدخّل فيها بأيّ شكل من الأشكال، فإنّ مجموعها لوحدها يشكّل ما نسبته 65 % من إجماليّ النفقات الجارية في موازنة 2022، وإذا ما أضفنا إليها قيمة الدعم المقدّم للسلع الأساسيّة مثل الخبز والمعالجات الطبّيّة فإنّ هذه النسبة ترتفع إلى أكثر من 75 % من النفقات جارية، جميعها التزامات ثابتة ومتحرّرة من عام لآخر مع زياداتها السنويّة. الأرقام السابقة في هيكل النفقات الجارية تحوّل من الإيرادات الضريبيّة الّتي لا تتجاوز الـ5.937 مليار دينار، بمعنى أنّ هناك عجزاً ماليّاً بعد كلّ هذه التحصيلات الضريبيّة وغير الضريبيّة، والمنح الخارجيّة يبقى هناك عجز ماليّ يناهز الـ1.7 مليار دينار غير شامل عجز المؤسّسات المستقلّة الّتي يبلغ عجزها ما يقارب النصف مليار دينار، أي إنّ إجماليّ العجز في الموازنة لهذا العام أكثر من 2.3 مليار دينار، يموّل بالاقتراض الداخليّ والخارجيّ على حدّ سواء. تخفيض الضريبة على المحروقات أو الدخان أو تخفيض في معدّلات الضريبة لأيّ سلعة كانت يعني أنّ إيرادات الدولة ستنخفض، وستتراجع قدرة الخزينة على تلبية نفقاتها التمويليّة في الرواتب وخدمة الدين، وهذا أمر غير مقبول، ولا يمكن التلاعب في أو حتّى أبداً أيّ مرونة تجاه هذه البنود الحسّاسة اجتماعيّاً، فالدولة التزمت بدفع كافّة التزاماتها الداخليّة والخارجيّة في أوقاتها دون أيّ تأخير في ظلّ جائحة كورونا وأثناء الحظر وتوقّف النشاط الاقتصاديّ، فالرواتب وخدمة الدين خطّ أحمر لا يمكن المساس بهما. الحديث عن تخفيض الضريبة سواء أكانت للمحروقات أو على غيرها من السلع يجب أن يكون في وقت مناسب من الناحية العمليّة، فالواقع الماليّ للخزينة الّتي تعتمد كلّيّاً في تمويل نفقاتها على هذه الضرائب، يجب أن يتوفّر لها بديل يوفّر للخزينة مرونة ماليّة عالية تعوّض فيها أيّ نقص بالإيرادات الضريبة في حال تخفيض بعضها أو إلغائها، وهذا لا يكون إلّا من خلال تعزيز النشاط الاستثماريّ في المملكة وزيادة زخمه والنهوض بمعدّلات النموّ الاقتصاديّ، حينها يمكن الحديث والمطالبة بتعديل الضريبة، وغير ذلك يكون مغامرة اقتصادية واجتماعية وأمنية غير محسوبة إذا ما تمّ تعديل الضريبة في هذا الوقت تحديداً وحدوث أي تراجع في الإيرادات المحلية.
تصميم و تطوير