"زواج الأطفال".. مأساة عالمية تتجدد تحت ضغط الفقر والنزاعات والتقاليد المجتمعية #عاجل

{title}
أخبار دقيقة -

تُحرم ملايين الفتيات في مختلف أنحاء العالم من طفولتهن كل عام، حين يُجبرن على دخول مؤسسة الزواج في سن مبكرة، غالباً تحت ضغط الفقر، والنزاع، والتقاليد المجتمعية المتجذرة، وبينما يعتبر الزواج المبكر من أخطر انتهاكات حقوق الطفولة، لا يزال يُمارس في أكثر من 90 دولة، بصور قانونية أو ضمنية، تدمج القسر بالإهمال، والعنف بالوصاية الأبوية.

وسلطت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، في تقرير نشرته، السبت، الضوء على هذه الظاهرة المروّعة التي لا تقتصر على المجتمعات النامية أو مناطق الحروب فحسب، بل تمتد إلى دول صناعية وعضو في الاتحاد الأوروبي، ومن اليمن إلى الصين، ومن بنغلاديش إلى رومانيا، تتشابه المآسي، وتتوحد الحكايات في خطوطها العريضة.. طفلات يُنتزعن من براءتهن إلى أدوار قسرية كزوجات وأمهات، قبل أن يتمكنّ حتى من قراءة أسمائهن.

وركّز التقرير على قصص حقيقيات لفتيات تزوجن في عمر مبكر، مثل الطفلة اليمنية "غادة"، التي وجدت نفسها في عمر الـ15 أماً لثلاثة أطفال، بعد زواج قسري في عمر الثانية عشرة. 

وتستعرض الصحيفة من خلال هذه القصة ومئات غيرها، كيف تحوّل الزواج المبكر إلى أداة استغلال ممنهج ضد القاصرات، تُمارس بدافع "التخفيف من الأعباء الاقتصادية"، أو كذريعة للحماية من الخطر، بينما تُفاقم في الواقع دوائر الفقر والعنف والجهل.

وتكشف الإحصاءات الأممية عن وجود أكثر من 650 مليون امرأة حول العالم تزوجن قبل سن 18 عامًا، ما يعني أن واحدة من كل خمس نساء على قيد الحياة اليوم مرّت بتجربة الزواج الطفولي، ورغم التراجع النسبي في بعض الدول، فإن التحديات لا تزال ضخمة، في ظل تصاعد النزاعات وتدهور الأوضاع الاقتصادية العالمية، ما يهدد بانتكاسات جديدة في مسار الحد من هذه الظاهرة.

يمنية تنجو من زواج قاسٍ

روت الصحيفة مأساة الطفلة اليمنية "غادة" التي زُوّجت بعمر 12 عامًا لرجل يكبرها بسنوات، بقرار من والدها الذي كان يعاني من الفقر، فاعتبر الزواج وسيلة لتقليل الأعباء. 

أنجبت غادة طفلتها الأولى بعد عام، لكنها تعرضت لعنف نفسي وجسدي من زوجها لأنه كان يطمح إلى إنجاب صبي، ولم يُسمح لها بمغادرة المنزل أو رؤية أهلها إلا بعد إنجابها طفلها الثاني، وكان ذكرًا.

حاولت غادة الهرب من الجحيم اليومي الذي تعيشه، فلجأت إلى محاولة انتحار بتناول مبيد حشري، لكنها أنُقِذت في اللحظة الأخيرة، لم تجد مفرًا سوى العودة لزوجها، وظلت في حلقة مغلقة من العنف والإذلال، حتى أنقذتها جارتها وتم نقلها إلى مركز آمن تديره الأمم المتحدة. 

وهناك بدأت تتلقى العلاج النفسي وتعلمت القراءة والكتابة والخياطة، قبل أن تحصل على دعم قضائي لضم أطفالها والبدء في حياة جديدة.

انتهاك صامت وشائع

قصة غادة ليست استثناء، بل تكرارًا لواقع ملايين الفتيات في اليمن ودول أخرى تعاني من النزاعات والفقر، وفي اليمن وحده، تُقدّر نسبة الفتيات اللاتي يتزوجن قبل سن 18 بأكثر من الثلثين، وهي نسبة ارتفعت بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب، مقارنة بنسبة 50% قبلها.

وتشهد دول مثل النيجر وتشاد ومالي وأفغانستان وبنغلاديش والعراق معدلات زواج أطفال مرتفعة، وقد يصل العمر في بعض الحالات إلى أقل من 10 سنوات. 

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الفتيات المتزوجات مبكرًا أكثر عرضة للعنف، والتسرب من التعليم، ومضاعفات صحية تهدد حياتهن خلال الحمل والولادة.

أرقام صادمة حول العالم

كشف التقرير عن وجود أكثر من 650 مليون امرأة في العالم تزوجن قبل بلوغ سن 18، وفق بيانات اليونيسف. 

وتشير الأرقام إلى أن الهند وحدها تضم أكثر من 216 مليون "عروس طفلة"، بينما تصل النسبة إلى 76% في النيجر، و61% في تشاد وإفريقيا الوسطى، و54% في مالي.

وتحدث التقرير عن أوضاع مأساوية للفتيات في الصين نتيجة خلل التوازن السكاني بعد سياسة الطفل الواحد، حيث يتم شراء الفتيات كعرائس قاصرات من دول الجوار، وتُباع الواحدة منهن مقابل ما يقارب 3000 دولار، وبعد 3 سنوات وإنجاب طفل، قد تُباع مرة أخرى لرجل آخر.

عراقيل قانونية وتواطؤ اجتماعي

أشار التقرير إلى أن بعض الدول مثل اليمن والعراق لا تحدد سنًا قانونية للزواج، أو تسمح به عبر المحاكم الدينية، كما في التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية في العراق التي منحت الشرعية لزواج الفتيات في سن التاسعة، وفي الصين، رغم وجود حد قانوني، فإن تنفيذ القانون ضعيف بسبب الفقر والتقاليد.

أما في أوروبا، فذكر التقرير أن رومانيا، العضو في الاتحاد الأوروبي، تسجّل زواج 7% من الفتيات قبل سن 18، ويُعزى ذلك للفقر وضعف التعليم، خصوصًا بين المجتمعات المهمشة مثل الغجر.

وأبرز التقرير جهود المنظمات الدولية كاليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، التي تعمل من خلال برامج دعم وتمكين الفتيات وتغيير الأعراف الاجتماعية، وخلق مسارات بديلة للتعليم والتمكين الاقتصادي.

وشدد التقرير على ضرورة تشديد القوانين، وتوفير شبكات أمان اجتماعي واقتصادي للأسر، وتمكين الفتيات قانونيًا وتعليميًا وصحيًا لوقف هذا النزيف الصامت الذي يفتك بمستقبل ملايين الأطفال.

تصميم و تطوير