السمردلي يكتب: حين يُمجَّد الفاسد ويُهَمِّش ويُقصى الشرفاء فانتظر السقوط ألمذل

المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.
الفساد الأخلاقي داخل المنظومات ليس مجرد سلوك فردي شاذ، ولا مجرد زلة قائد أو موظف استغل موقعه، بل هو انحراف منهجي ينسف كل ما يُفترض أن تقوم عليه المنظومة من قيم، مبادئ، وأهداف وهو خيانة صريحة للمشروع، وتحويله من حلم جماعي إلى مزرعة خاصة تُدار بالعلاقات، والولاءات، والمصالح الضيقة فحين يصبح الموقع المتقدم وسيلة لتكديس النفوذ أو تصفية الحسابات الشخصية، تتحول القيادة من تكليف إلى صفقة، من موقع خدمة إلى كرسي سلطة، ومن مسؤولية إلى مشروع استغلال.
في هذه البيئة، لا يعلو صوت الفكرة، بل يعلو صوت الشخص، لا تُقاس الأمور بالكفاءة أو النزاهة، بل بالقرب من "المركز”، أو درجة التزلف، أو القدرة على البصم دون تفكير ومن هنا يبدأ الانهيار الفعلي فلا ينهار المشروع حين يُنتقد أو يتعرض لهجوم خارجي، بل حين يتآكل من الداخل، حين تنقلب المعايير، ويصبح الشريف مُشككًا فيه، والانتهازي نجمًا فأسوأ ما في هذا الانحدار هو التطبيع معه، أن يعتاد الأعضاء على هذا الواقع، ويصبحوا جزءًا منها إما بالصمت، أو بالمشاركة الفعلية.
ثم تأتي أساليب القمع "المستوردة” من أسوأ النماذج التشهير، التسريب، الإشاعات، محاولات الاغتيال المعنوي لأي عضو يرفض الرضوخ فبدل مواجهة الرأي المخالف بالحجج، يُقابل بالحفر تحت قدميه فيُجرد من خصوصيته، تُستخدم علاقاته الشخصية أو ماضيه ضده، تُشوّه صورته عمدًا في الدوائر الداخلية حتى لا يجد من يستمع له فهذا الأسلوب لا يقتل المخالف فقط، بل يقتل الثقة الجماعية، يزرع الخوف، ويحوّل بيئة العمل إلى حقل ألغام نفسي، لا يجرؤ أحد فيه على الكلام.
ويكتمل هذا المسلسل الرديء بالتمييز الواضح بين الأعضاء، حيث يُعامل بعضهم كـ”أبناء النخبة” مهما أخطؤوا، ويُحاسب آخرون على كل صغيرة لأنهم ببساطة "ليسوا من الحظوة” فلا معيار واحد، لا عدالة داخلية، فقط مزاجية وولاء أعمى، وتوازنات شخصية لا علاقة لها لا بالفكرة، ولا بالأخلاق ففي مثل هذا الجو، تنهار روح الفريق، ويتحول الانتماء إلى حالة عبىء، مجرد بطاقة عبور لا تحمل أي معنى.
الفساد الأخلاقي هو أخطر أنواع الفساد، لأنه لا يظهر دائمًا في التقارير أو الحسابات، لكنه يظهر في النفوس ،في الإحباط، في السخط المكتوم، في الاستقالات الصامتة، وفي الحقد المتراكم. حين يصبح "السكوت” هو أثمن عملة داخل المنظومة، وحين يُصبح العيش بلا كرامة هو شرط البقاء، فاعلم أن الانهيار بدأ فعلًا، حتى لو كانت اليافطات ما تزال تلمع.
العلاج ليس ببيانات التجميل ولا بإعادة تدوير الشعارات، بل بمواجهة الحقيقة كما هي، وبالاعتراف أولًا أن هناك قذارة أخلاقية تنهش الأساسات وبعدها فقط يمكن الحديث عن إصلاح. إصلاح يبدأ بإعادة الاعتبار للضمير، وللكلمة الحرة، وللعدالة الداخلية، وللشجاعة في محاسبة المتجاوزين — مهما كانت مواقعهم فالمنظومة التي لا تحاسب نفسها، لا تستحق البقاء، مهما كانت عظيمة في ظاهرها.
الكاتب من الأردن